ثقافة وفن

تراثنا هويتنا .. توثيق التراث في الذاكرة

| صبا العلي

لجأ الباحث التاريخي نبيل عجمية إلى ربط الماضي التراثي بالحاضر الإنساني من خلال الإضاءة على الموروث الثقافي الذي ينتمي إلى التراث اللامادي وذلك من خلال تقديم نبذ من الحياة الاجتماعية والعلاقات الإنسانية من لغة وشعر محكي وأغان شعبية سادت المجتمع السوري في مراحل خلت وذلك في محاضرته التي ألقاها في ثقافي بيت ياشوط.
واستعرض عجمية صورا مشرقة من تاريخ سورية مهد الحضارات في سرد مشوق بدءا من تاريخ الفينيقيين مرورا بأدوار زمنية مرت على التراب السوري الذي ارتبط بتوجه الإنسان وصلته بمحيطه الجغرافي وعلاقته بالأشياء التي شكلت أحلامه وحضارته وأمانيه وأغانيه وموسيقاه الشعبية ما عكس قوة ارتباطه بأرضه وتجذره فيها.
وقال عجمية إن التراث هو منبع من منابع الإبداع لكونه نتاجا حقيقيا لمعتقدات وظروف اجتماعية تم تجسيدها في صور فنية بديعة، موضحاً أن التراث يشكل صلة وصل وثيقة بين الأجيال عبر الزمن ومبعثا للشعور بالانتماء إلى أرضهم وجذورهم التي تقوي ارتباطهم بها وبالتالي يشكل هوية تميزهم عن باقي الشعوب، وإحياؤه في الذاكرة مهم للغاية للحفاظ على الهوية حيث عمد الغرب إلى تشويه وطمس معالم تراثنا لجهة الغزو الثقافي والفكري الذي مارسه على تاريخنا الإنساني اللامادي لمحو هويتنا وانتمائنا.
ومن الصور المهمة التي استعرضها الأخطاء التاريخية التي تبدو للعيان بسيطة وعفوية إنما في حقيقتها مقصودة وفادحة جاءت لمحو معان تراثية حقيقية ومنها ارتباط التقويم السوري بعشتار الأم الأولى منجبة الحياة نجمة الصباح والمساء التي تصفها النصوص القديمة بانه في فمها يكمن سر الحياة ليأتي عيد رأس السنة السوري الذي ظل مستمرا في بلادنا عبر آلاف السنين تحت اسم عيد الربيع المعروف شعبيا بعيد الرابع الذي يأتي في الرابع من نيسان وقد أخذ هذا العيد الذي يعد أساسا لتقويمنا منا ثلاث مرات الأولى عند فرض التقويم اليوناني والثانية عند فرض التقويم القمري والثالثة عندما فرض شارل التاسع ملك فرنسا قبل أربعمئة وخمسين عاماً باعتماد التقويم الغريغوري ونقل رأس السنة من أول نيسان إلى أول كانون الثاني مشيراً إلى أن ما يحز بالنفس هو أننا لغفلتنا جارينا خصومنا في الاستهزاء بتراثنا فاعتمدنا الأول من نيسان عيداً للكذب وهو العيد الذي عنى عبر التاريخ الفرح والحب والسلام فخلال انعقاده تتجسد القيم السامية كمنع تأنيب الأطفال ومنع انعقاد المحاكم وتعزيز صلة الرحم وبر الوالدين وتبادل العطايا والمودة بين الأفراد.
وتخلل المحاضرة جماليات السرد لجهة صلة الغناء الشعبي التراثي كالعتابا والميجنا ومواويل الزلف بحكايا تاريخية تعود إلى عمق التاريخ منذ عهد الآراميين والفينيقيين ولاتزال إلى يومنا هذا هي السيدة والسائدة في مجتمعاتنا وأفراحنا وعلى خشبة مسارحنا.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن