الأولى

وقف إطلاق النار: لَغَم

| بيروت – محمد عبيد 

أي معطيات دفعت الولايات المتحدة الأميركية إلى تكثيف حواراتها مع روسيا بهدف الاتفاق على وقفٍ لإطلاق النار على الأراضي السورية؟
تحاول الإدارة الأميركية في ما تبقى من ولايتها تحسين قدرتها على الإمساك بالوقائع السياسية وارتداداتها الميدانية في المنطقة عموماً وفي سورية خصوصاً كتعويض عن انكفائها السابق. هذا الانكفاء الذي اتخذته واشنطن خياراً سياسياً بناءً على جدول أولويات اعتمدته، والذي اقتصر على الملف النووي الإيراني كقضية وحيدة يمكن الوصول معها إلى خواتيم مرضية للأطراف المعنية كافة وهو الذي حصل فعلاً، وأهمل مايسمى بملف المفاوضات الفلسطينية-الإسرائيلية خوفاً من إضاعة وقت وجهد فريقها الديبلوماسي على قضية لا أفق لحلها ولا حتى لحلحلة بعض تعقيداتها، وخاصة أن أكثرية الأنظمة العربية وبالأخص منها الخليجية تجاوزت المطالبة ولو الشكلية بإنجاز التسوية وبادرت إلى فتح مكاتب تمثيلية لكيان العدو الإسرائيلي في عواصمها كالحالة الإماراتية، أو سعت إلى الاتصال المباشر السري والعلني كالحالتين السعودية والسودانية.
لكن أي نتائج يمكن أن تحصدها هذه الاستفاقة الأميركية المتأخرة وخصوصاً أن روسيا كقطب دولي فاعل باتت الآن تملك مفاتيح الحل والربط في مسار الأزمة القائمة في سورية وتداعياتها على أزمات المنطقة كافة.
صحيح أن واشنطن لم تشأ التورط العسكري المباشر ولكن الصحيح أيضاً أنها تركت لأذرعها الإقليمية كالسعودية وتركيا تحضير المسرح لتدخلها السياسي المباشر عندما يحين الوقت لذلك، وهاهو قد حان.
وجدت الولايات المتحدة الأميركية أنه لابد من وقف اندفاعة الجيش العربي السوري وحلفائه باتجاه إمساكهم بمفاصل أساسية على الأرض تمكنهم من حسم المعركة إستراتيجياً وإن بقيت بعض المناطق تحت سيطرة التنظيمات التكفيرية على اختلاف تسمياتها لفترة زمنية ما. إلا أن تحقيق ذلك مستحيل بالاتكال فقط على هذه التنظيمات التي جمعتها وجهزتها ودربتها ومولتها السعودية وتركيا بعدما أخذت تتهاوى بسرعة غير متوقعة، وهو ما يستوجب كسب مزيدٍ من الوقت ما يسمح بإعادة لملمتها وتغيير تسمياتها وتنظيف سجلاتها الإجرامية عبر تصنيفها ضمن ما يسمى «المعارضة المسلحة المعتدلة» التي بدأت تأخذ أشكالاً تنظيمية لم تكن موجودة أصلاً خلال سنوات الأزمة الماضية مثل «قوات سورية الديمقراطية»!
من هنا، جاء سعي واشنطن إلى تكريس وقف لإطلاق النار يمنحها الوقت والقدرة على إعادة صياغة حيثية الطرف المقابل للحكومة السورية على المستوى السياسي، وكذلك المناخ الأمني المستقر لإعادة تجميع أبرز التنظيمات التكفيرية الفاعلة وتوليفها في إطار موحد يمكنها من الحفاظ على خطوط التماس التي سيتم تثبيتها على الأرض، ويترافق ذلك مع تحقيق الهدف الأهم والأعمق المتمثل بالحفاظ على ما تبقى من طرق الإمداد المعتمدة بين الحدود التركية ومواقع الإرهابيين.
لاشك أن الإدارة الأميركية باتت اليوم في الواجهة بعد التوازنات الجديدة التي فرضتها المشاركة العسكرية الروسية التي أضعفت القدرات السعودية والتركية وخاصة في ملء مساحة الانكفاء الأميركي. هذا التقدم إلى الواجهة الذي وإن لم ينجح في تغيير تلك التوازنات، فإنه على الأقل يفرض تجميداً للأزمة في سورية بواقعها العسكري الحالي من بوابة وقف إطلاق النار: اللغم!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن