من دفتر الوطن

لو..!

عصام داري:

 

عندما تكون المصيبة كبيرة يصبح الهرب منها أسهل، لأننا باختصار نسلم بالأمر الواقع ونتعامل معه على أنه أصبح حقيقة لا يمكننا تجاوزها أو القفز من فوقها، أو تغييرها.
أولى خطوات الهروب الكبير عندما يصبح المرء ميالاً للحديث عن مظاهر الطبيعة المدهشة، بدلاً من الغوص في حوارات تزيد من أحزان النفس والروح، وتؤجج الغضب الكامن فينا، وتتسع مساحة التوتر مع كل ما قد ينتج عن ذلك من مصائب صغيرة متفرعة عن المصيبة «الأم»!.
نهرب إلى تلك الموضَوعات التي نعشق ونحب، والتي هي بطبيعة الحال النقيض للحال الراهن، فنتخذ زاوية قصية نمارس فيها جرم التمرد على الواقع، وجناية الحب في زمن الحرب وجنحة الشعر والموسيقا.
نرى في هذا الهروب طوق نجاة، ولو بشكل مؤقت ووهمي، مما نحن فيه، فهل هي جريمة أن نحتسي قهوتنا ونحن نتذكر ذلك الزمن الجميل الذي تخرجت في مدرسته أجيال عديدة لا تزال تحلم به وقد ذهب من دون رجعة، ليحل محله زمن الخوف والرعب والخديعة والغش والفساد والعهر السياسي والأخلاقي؟.
ماذا يجري إذا استمعنا إلى أغاني ذلك الزمن الجميل مع تغريد الطيور وهديل الحمام، وأنصتنا لفيروز وهي تشدو» «يا طير يا مسافر على حدود الدني» أو إلى وديع الصافي وهو يغني «رح حلفك بالغصن يا عصفور»، أو ذبنا طرباً مع أم كلثوم وأغانيها الخالدة من «رق الحبيب» إلى «هو صحيح الهوى غلاب» و«الأطلال» و«رباعيات الخيام» و«ذكريات»؟!.
وما دمنا قد وصلنا إلى «ذكريات»، فإن استعادة الذكريات الجميلة أفضل من ذرف الدموع على ما آلت إليه الأمور اليوم، لأننا سنصل إلى حوارات غير مريحة، بل مزعجة جداً وطرح أسئلة لا أجوبة لها والدخول في متاهة تلك الـ «لو».
فلو كنا قد فعلنا ذلك لما وصلنا إلى هنا، ولو أن كل واحد في هذا الوطن قام بواجباته تجاه بيته وقريته ومدينته ووطنه، و«لو» بالحدود الدنيا، لكنا قد تجنبنا وجنبنا وطننا الوقوع في المحظور وبلوغ حافة الهاوية.
لو كان صوتي مسموعاً لطلبت من أهلي أبناء سورية خلع أثواب اليأس التي كادت تتحول إلى اللباس الرسمي لشعب كامل، والتحامل على الجراح الكبرى الغائرة في القلوب والنفوس، والبحث عن الخطوة الأولى المؤدية إلى غد ننشده عنوانه الحب والتآخي والعمل الوطني من أجل سورية.
لو كنت ساحراً لحولت الفاسدين والمفسدين في بلدي الذين ازدادوا فساداً مع سنوات الأزمة وازدادوا ثراءً وجشعاً وتوحشاً وصاروا غيلاناً تمص دماء الشعب، ولحولت هؤلاء إلى فراشات، أو كويتهم بالنار نفسها التي يكوون فيها السوريين منذ أكثر من أربعة أعوام.
لاتنفع هنا كلمة «لو» أو التمني بأن نمسي ونصبح لنجد أن كل ما جرى ليس أكثر من كابوس مزعج زارنا بليلة ليلاء غطت ظلمتها قرص القمر، لكن الحل لا يكون بإعلان الحداد على وطن، على حين أننا نرى في آخر النفق بيارق نصر آت على الرغم من كل الجراح والأحزان.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن