ثقافة وفن

المال درب..

د. اسكندر لوقا:

يستطيع القارئ أن يختار العبارة التي يراها مناسبة ويضيفها على العنوان وصولاً  إلى ما يعنيه. ربما اختار البعض إضافة عبارة مفسدة، وآخر عبارة نعمة أو جواز مرور، وآخر عبارة الهدف والغاية، وسوى ذلك من عبارات يراها مناسبة كي يكتمل العنوان حسب قناعته.
من حيث المبدأ، أغلبية الناس ينظرون  إلى المال على أنه مفسدة. وهذه المقولة يقر بها أكثرية الناس. إن أثر هذه المقولة يبقى في أضيق نطاق عندما يكون المال القابل للإفساد بين أيدي الأقلية من الناس، في حين تتسع رقعة الأثر عندما ينتقل المال من أيدي الأقلية  إلى أيدي الأكثرية منهم.
المفسدة هنا، كواقع، ترتبط بنظرة صاحب المال  إلى ما يريده منه. إن بعضاً من الذين أصابتهم هذه النعمة – النقمة على سبيل المثال، يعتبرون المال وسيلة لتأمين الاحتياجات الأساسية في الحياة كالمأكل والمشرب والتعليم والصحة وما شابه ذلك من متطلبات موضوعية، في حين آخرون يعتبرونه وسيلة فرض الرأي والتعالي على الغير وشراء الضمائر الضعيفة. ولهذا الاعتبار نجد بيننا المرضى النفسيين، وتحديداً المتباهين بما يملكون من المال.
في هذا السياق، تندرج، في الذاكرة، حكايات عديدة عن أناس باعوا حتى أنفسهم لمن يملك المال، وكانوا عبيداً لهم في نهاية المطاف. إن السقوط في شباك إغراء المال هو أشدّ أنواع سقوط الإنسان لأن بيع النفس خسارة لا توازيها خسارة من أي نوع آخر حتى إذا لم يدرك صاحبها مقدار ما يقدمه مقابل مقدار من مال مهما بلغ. إن خسارة النفس تعني في نهاية المطاف خسارة الإنسان في الإنسان، ومن هنا تحوله  إلى مجرد كائن لا يردعه خلق ولا يحول بينه وبين تخليه عن إنسانيته مثال.
في الوقت الراهن الذي تعيشه بلادنا، وخصوصاً في سياق شن الهجمات عليها من كل صوب، يتساءل أحدنا: ترى كم من الناس الذين باعوا أنفسهم لمن يملك المال؟ وكم من الذين كانوا يدعون الوطنية فكان سعيهم للحصول على المال أن سقطوا في بئر الخطايا التي لا تغتفر؟
إن هذا السقوط لم يؤذ أصحابه فقط بل أيضاً خلف ترددات لا نعتقد أنها ستزول في زمن آت قريب لأن داء كهذا يصيب الإنسان يصعب زواله أو زوال آثاره على أقل تقدير مع مرور السنوات مهما طالت.
المال درب ماذا؟ يجيب الشاعر اللبناني المهجري عقل الجرّ […- 1945] مؤسس النادي الفينيقي وعضو العصبة الأندلسية، يجيب بقوله في إحدى قصائده:
جهول قد حباه الله مالا      فراح يجرّ أذيال الغرور
هنا، في اعتقادي، المسألة أبعد من مسألة الغرور. إنه السقوط الأبدي في خندق لا أبعاد للعتمة بين جدرانه.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن