قضايا وآراء

رمزية دولية في أزمة سورية

| مازن بلال

قرار بالإجماع في مجلس الأمن يكسر الرتابة الخاصة بالأزمة السورية منذ أعوام، فإقرار وقف الأعمال القتالية ربما لا ينقل السوريين إلى مرحلة جديدة، لكنه يغير من المهام التي قامت عليها الدبلوماسية الدولية، فمنذ الفيتو الروسي – الصيني الشهير باتت كل المواضيع معلقة على قدرة موسكو وواشنطن على إيجاد توافقات، واستبعد مجلس الأمن في وقت ظهرت أخطر الوثائق من دون أن يكون للهيئة الدولية أي دور، فجنيف واحد ثم مسألة «الكيميائي» السوري أزاحتا قدراً من التفاوت في المصالح بين موسكو وواشنطن، وكان الموضوع السوري جزءاً من حزمة دولية تقف على حدود مشاكل «النظام الدولي»، لكنها في المقابل شكلت أيضاً مساحة الاختبار لقدرة موسكو على التعامل من جديد على مستوى إستراتيجي واسع منذ انهيار الاتحاد السوفييتي.
عملياً ربما ينهار وقف النار مرات متعددة وعلى جغرافية واسعة أيضاً، لكن «رمزية» القرار الدولي مهمة بالنسبة للمرحلة السورية القادمة، فالموضوع ليس تثبيت الهدنة بل تجاوز الخطوط الصارمة التي تم وضعها بشأن الأزمة السورية، فهناك بالدرجة الأولى إنهاء لخلاف أساسي بشأن «الأولويات»، فمسألة الإرهاب حسمها القرار الدولي من دون أن يدخل في مسألة «التصنيف»، لأن ما سيحدث عملياً هو ظهور مسار سياسي في جنيف ومسار عسكري في محاربة الإرهاب، وبغض النظر عن كل التعقيدات في المسارين لكنهما أصبحا أمراً واقعاً منذ اللحظة التي أقر فيها مجلس الأمن مسألة «وقف الأعمال العدائية».
على الجانب الآخر فإن المسار السياسي كان يتطلب «تليين المواقف»، والتعامل مع الأطراف الإقليمية بحذر شديد، وكأن حساسية مواقفهم ضرورة للبدء بالتسويات، وعملية «التليين» كانت قاسية نوعاً ما لأنها حملت تأزماً على مستوى العلاقة بين أنقرة وموسكو، وفي المقابل فإن الباب المفتوح من روسيا نحو السعودية ودول الخليج؛ حمل توازناً آخر في العلاقة مع إيران، فهو ليس فرصة قائمة على تحفيز «الرياض» بل إتاحة هامش أمامها لتقرأ التوازن القادم في ظل تصاعد الدور الإيراني.
يمكن لرمزية القرار الدولي أن تضع مستوى جديداً للعلاقات الإقليمية، ويمكنها أيضاً أن تسجل تكريساً قوياً للإرادة الدولية من أجل الدخول في حل الأزمة؛ الأمر الذي سيجعل من المسار السياسي أكثر مرونة وحيوية، ويبدو أن الرهان الروسي هو على الإيقاع السريع للخطوات التي ستجعل من بنود اتفاق فيينا أمراً قابلاً للتحقيق، وإذا استطاعت موسكو إنجاز بعض التسويات الإقليمية فإنها ستضمن على الأقل تثبيت وجودها الإستراتيجي من دون أي منافسة قوية داخل شرقي المتوسط، ولا يعني هذا الأمر خسارة أميركية بقدر كونه توازناً في إعادة رسم الشرق الأوسط، كأدوار وعلاقات، وذلك ضمن شراكة بين واشنطن وموسكو.
نحن اليوم أمام تصورات مختلفة للأزمة السورية، والتعامل الدولي معها بدأ يدخل نطاقاً جديداً لا بد من استيعابه بشكل كامل، فالإرادة الدولية في النهاية ليست حالة مطلقة، والعوامل الداخلية السورية، ستقرر إلى حد بعيد إمكانية ظهور حلول تتوافق ومصالح المجتمع السوري، فالمهمة السياسية اليوم هي الأصعب وربما الأهم.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن