قضايا وآراء

«أردوغان» يبحث عن الأطراف العثمانية المُتقطّعة

| صياح عزام 

أغرب ما في الأمر أن تركيا تبحث عن أطرافها التي تقطعت في آسيا الوسطى مع أفول السلطنة العثمانية البائدة، إذ يحاول كبار مسؤوليها أن يصطنعوا أطرافاً قومية عند حدودهم الجنوبية على ظهر من يُماثلون (التتار) بغزواتهم، التي مسحوا بها إرثاً عربياً إسلامياً مديداً في بغداد في القرن الثالث عشر.
«أحمد داود أوغلو» يُذكر بالتتار كقومية مستضعفة متصلة بالإرث العثماني، بينما هو يستقوي في سورية عملياً بالأساليب التي اعتمدها هؤلاء يوم أسقطوا الخلافة العباسية.
ففي تصريح لأحمد داود أوغلو من العاصمة الأوكرانية «كييف» قبل عدة أيام مفارقة كبرى… قال أوغلو: «إن عهد الاتحاد السوفياتي انتهى قبل ربع قرن، وإن بلاده تدعم وحدة أراضي أوكرانيا وترفض ابتلاع روسيا شبه جزيرة القرم التي وصفها بـ«الوطن الأصلي للتتار»… انتهى تصريح أوغلو.
في هذا التصريح مفارقة كبرى، فصاحبه يدّعي أن روسيا الاتحادية تعيش انفصالاً عن الواقع بمحاولتها استعادة ماض مجيد، ويذكر بأصول الجماعات التي تمتُّ إلى تركيا العثمانية بصلةٍ فُقدت عملياً قبل نحو مئتين وأربعين عاماً، فالتتار عاشوا تحت الراية التركية نحو ثلاثمائة عام قبل أن يستقر بهم الأمر تحت حكم موسكو بُعيد انتصارها على العثمانيين في العام /1774/.
إذاً، جوهر المشكلة يكمن في أن تركيا في ظل حكم «أردوغان» تبحث عن ماضيها في محاولة يائسة لإحياء بعض ما فيه من سيطرة واستبداد ومدّ نفوذ كما أشرنا في بداية الحديث، وتريد تعميق الشرخ بين موسكو وكييف من جهة أخرى.
إلى جانب هذا، لا تكتفي السلطة الحاكمة في أنقرة بذلك، بل تلجأ إلى أساليب الاستقواء في سورية على النحو الذي اعتمده أجدادها العثمانيون يوم أسقطوا حكم العباسيين. فهي من جهة تبسط نفوذها على الساحة السورية عبر الربط مع أبناء جلدتها تاريخياً، كمنحها أعداداً كبيرة من السوريين من أصول تركمانية الجنسية التركية، إضافة إلى جنسيتهم السورية، وذلك في محاولة للاستثمار في هذا الأمر مستقبلاً عبر الادعاء بأن مواطنين أتراكاً يعيشون في مناطق سورية، هذا من جهة، ومن جهة ثانية تعبّر أنقرة عن تطلع صريح إلى أن يكون لها نفوذ قومي داخل سورية، عبر جماعات تعكس هويتها الإثنية مثل «لواء السلطان مراد» المسلح في الشمال السوري. ومن جهة ثالثة تعوّل تركيا في عهد (أردوغان) وزمرته على تيارٍ سلفي جهادي لا صلة له بامتداداتها التاريخية أصلاً؛ تيار يتخذ عدة أقنعة ومظلات للعمل تحتها من خلالها، بدءاً من (داعش) أو ما يسمى «الدولة الإسلامية»، مروراً بجيش الفتح الذي شارك ولا يزال في غزواته المتتابعة والمستمرة لأرياف الشمال السوري، وانتهاء بمجموعات إرهابية أخرى تمدها أنقرة بالرجال والسلاح والعتاد.
إلا أن نقطة الضعف في موقف حكومة أنقرة في الحالة السورية، تتمثل في أن رهانها الأساسي وقع ولا يزال على مجموعات إرهابية مسلحة مكونة من مجموعات من المرتزقة القادمين من عدة دول معظمها عديم الصلة بالهوية التركية (إلا في حال اعتبار أجهزة الاستخبارات مظهراً من مظاهر الهوية)، علماً بأن الحيّز الأكبر من هذه المجموعات بات اليوم إما في دائرة تصنيف الإرهاب أو أنه يقف على حافة هذا التصنيف، ولولا نقطة الضعف هذه لكانت حلب قد أصبحت في بطن السلطان العثماني.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن