قضايا وآراء

اتساع رقعة المصالحات يفتح باب النصر السياسي

| عبد السلام حجاب

ليس مستبعداً بحسب المعطيات أن أميركا وفقاً لسياسة مزدوجة المعايير معتمدة وممنهجة، قد تقع في المحظور وتواصل الرهان على الإرهابيين ورعاتهم في المنطقة والإقليم الذين يدفعون وحدهم تكاليف الخسائر، ولعل تحذير الوزير الروسي لافروف من «أن استخدام الإرهابيين كبيادق في لعبة شطرنج يعرقل حل أزمات الشرق الأوسط» دفع إلى تبني مجلس الأمن الدولي القرار 2268 للاتفاق الروسي الأميركي لوقف الأعمال القتالية في سورية قبل ساعة من بدء سريان مفعول هذا الاتفاق الذي رحبت به سورية وأكدت استعدادها للمساهمة في إنجاحه متمسكة بحق الرد على أي اختراق يقوم به تنظيما داعش وجبهة النصرة وغيرهما من التنظيمات الإرهابية، يستهدف المواطنين السوريين أو القوات المسلحة للجيش العربي السوري.
وقد يعتقد البعض واهماً، أن الولايات المتحدة الأميركية كدولة عظمى، لا تخسر كثيراً من رصيدها، عندما تكون سياساتها في العالم ومنه الشرق الأوسط وفي سورية خاصة، مبنية على أساس اعتماد الإرهاب المبرمج، تصنيفاً واستثماراً، وسيلة مفضلة لخدمة أهدافها الإستراتيجية.
ولكن، حين يقارن سياسيون وإعلاميون من داخل البيت الأميركي، حجم الدعاية المضللة التي تنفق لخدمة هذا الاتجاه بالنازية الهتلرية وما أعدته من ماكينة إعلامية وأدوات لتبرير سياستها العنصرية، فإنه لابد من الجزم عندئذ، بأن أميركا تخسر كثيراً ولا يبقى لديها سوى العار الأخلاقي والنفاق السياسي أمام ادعاءات الأهداف النقية التي لم يسفر عنها إلا القتل والاحتلال والاستعمار. وهو ما أكده البروفيسور باول روبرت في صحيفة أميركية ذات شأن لدى الرأي العام الأميركي عن «تفوق الدعاية الأميركية على الدعاية النازية الهتلرية ووسائل إعلام أخرى مضللة للعالم، خدمة لداروينية اجتماعية وسياسية تقسم البشر بأدوات قذرة لحساب أجندات، الرابح الأول فيها هو الإرهاب بكل أشكاله ومسمياته.
وللتذكير فإنه عشية الاتفاق الأميركي الروسي بشأن وقف الأعمال القتالية في سورية، قال عنه الرئيس الروسي بوتين «اتفقنا مع الرئيس أوباما على البيان المشترك في إطار مجموعة الدعم الدولية لوقف العمليات القتالية في سورية من دون أن يشمل داعش وجبهة النصرة وتنظيمات إرهابية أخرى، أعلن كيري ناظر الخارجية الأميركية أمام جلسة لمجلس الشيوخ أن هناك خططاً بديلة، فإما إطالة أمد الأزمة وإما التقسيم، وكأنه يتحدث عن مسارات لم تكن يوماً إلا عناوين رئيسة في الحرب على سورية قبل خمس سنوات. وهو سياق سارع إلى لجمه سياسياً الوزير لافروف في تصريح قال فيه: «إن التشكيك في الاتفاق الروسي الأميركي حول الوضع في سورية، يعد دعوة للحرب وليس للسلام».
والسؤال، هل كان الاتفاق الذي جرى تصميمه ليكون خطوة أولى على مسار العملية السياسية للأزمة في سورية وجوهرها محاربة الإرهاب، مأزقاً للسياسة الأميركية في أيام رئاسة أوباما الأخيرة، فأصبح سعي الوزير كيري منصباً على الخروج منه أو تمييع تفاصيله وصولاً إلى إفشال الاتفاق، وانعكس في مواقف المعارضات ذات النشأة والتمويل والأجندة السعودية والتركية والقطرية المتناغمة مع داعش والنصرة والتنظيمات الإرهابية برفض الاتفاق أو وضع شروط عليه، أم إن مواقف التشكيك وما يرافقها من تردد وإطلاق مزاعم تمثل محاولة تملص علني من بنود ما تم الاتفاق بشأنه وإقراره في بياني فيينا وقراري مجلس الأمن 2253 و2254 بما تعنيه من محددات ملزمة أساسها حق السوريين في تقرير مستقبلهم بقيادة سورية من دون تدخل خارجي أو شروط مستبقة، وتم اعتماده في القرار 2268 الذي وافق عليه مجلس الأمن بالإجماع!؟
فإذا كان النكوص والتضليل بالمصطلحات والأدوات، وما أسماه كيري بالخطط البديلة ليس جديداً على نهج السياسة الأميركية ضد سورية بعناوين التقسيم وإطالة أمد الأزمة فإنها لا تزال أجندة أميركية تتبناها وتغرق في تنفيذ مساراتها الإرهابية أنظمة العثماني أردوغان في تركيا وحكام آل سعود ومشيخة قطر ومن ائتلف معها من ممالك ومشيخات ومعارضات إرهابية مسلحة أو مسيسة، ولن تتردد واشنطن في حقن جهود سياسية وعسكرية متعددة الأشكال من جديد للحد من انتصارات الجيش العربي السوري في مواجهة الإرهاب بدعم شرعي من القوى الجو فضائية الروسية والقوى الحليفة والصديقة في السياسة والميدان، وذلك لحساب مصالحها الجيو سياسية وقاعدتها مصالح الكيان الإسرائيلي بأدوات إرهابية.
ما من شك في أن قرار مجلس الأمن الدولي 2268 بتبني الاتفاق الروسي الأميركي لوقف الأعمال القتالية في سورية شكل ترجمة عملية لواقع المتغيرات الدولية على الصعيدين السياسي والعسكري، ليس متاحاً تخطيها ما يضع أميركا أمام مسؤولية التزام أطراف حلفها الامتثال لمندرجات هذا القرار وما سبقه من قرارات ملزمة، ولاسيما القراران 2253 و2254، والتي تشكل محددات عمل المبعوث الدولي دي ميستورا الذي أعلنت السابع من آذار موعداً لاجتماعات في جنيف، على أساس تلبية هذه القرارات والحيلولة دون أن تتحول إلى طاولة للمقايضة أو المناورة أو التزوير أمام حق السوريين ببناء سورية المتجددة بقيادة سورية من دون شروط مسبقة أو أجندات إرهابية.
فالأفعى لا تفقد مواصفاتها بتغيير جلدها، بدليل أن مواقف معارضات الرياض وتركيا لا تزال تعكس أحلامها التدميرية ضد سورية شعباً وجيشاً وقيادة، وبانتهاك فاضح للإعلان الروسي الأميركي، ولم يتوقف حتى بعد سريان مفعوله.
فإذا كانت أميركا بحسب كيري تعوّل على خطط بديلة خارج السياق لتخفي الخيبة وتروج لمواقف تناقض حقوق السوريين السيادية، لدواعي حفظ ماء الوجه ومداراة لخسائر حلفها الإرهابي، بمن فيها المعارضات الإرهابية بربطة عنق، فإن الخارجية السورية أدانت تصريحات كيري واعتبرتها محاولة لإخفاء مسؤولية أميركا عن دعم الإرهاب وعدم أداء دورها كعضو دائم في مجلس الأمن لفرض قرارات المجلس ذات الصلة بمحاربة الإرهاب.
ولن يكون مستغرباً، لو أن أميركا قررت أن تخسر العالم ومبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان التي تغلف مخططاتها السوداء، لحساب الإرهاب في ربع الساعة الأخيرة من جهود القضاء عليه في الجغرافيا الوطنية السورية. وما يلف الخرائط الخضراء وأماكن وجود الإرهابيين من غموض والتباس يوجب على المبعوث دي ميستورا حل ألغازه، ميدانياً بإعلان القائمة الكاملة للتنظيمات الإرهابيين، بحيث تتساوق بأهميتها مع ضبط الحدود مع سورية ومنع تحويلها إلى مسارات داعمة للإرهاب.
لقد أكد الرئيسان بشار الأسد وبوتين أهمية استمرار محاربة تنظيمي داعش وجبهة النصرة وغيرهما من التنظيمات الإرهابية انطلاقاً من الحرص على حماية العملية السياسية في مسار محاربة الإرهاب وفي مسار الحل السياسي الذي يقرره السوريون وحدهم. فالرد على أي خرق لاتفاق وقف العمليات القتالية واجب وطني ومسؤولية يتصدى لها الجيش العربي السوري بشجاعة رجال الحق في الميدان، كما أن اتساع رقعة المصالحات الوطنية تفتح الباب واسعاً أمام الانتصار السياسي الذي يتطلع إليه السوريون، ولن تبدل مسيرتهم رهانات أميركا وحلفائها ومرتزقتها لحساب الإرهاب.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن