قضايا وآراء

خطة أخرى غير قابلة للصرف

| تحسين الحلبي 

لا أحد يجب أن يشك أن الاتفاق الذي يحمل صيغة (وقف الأعمال العدائية) كما جاء في النص اعتبره الجميع من واشنطن إلى (دي ميستورا) مرحلة أو جسراً نحو (اتفاق وقف نار) كامل وشامل.. وهذا ما يجعل مرحلة تنفيذه والتعايش معه مفتوحة إما على الارتقاء به إلى وقف نار طالما طالبت به القيادة السورية وفي أكثر من خطاب للرئيس الأسد وكذلك في مؤتمرات جنيف، وإما على العودة إلى ما قبل الاتفاق عليه.
وفي كلا الاحتمالين يظهر جلياً أن واشنطن تريد من هذا الاتفاق ما لا تريده وما تتفق معه سورية وهو استمرار استغلال مجموعات داعش والنصرة والقاعدة وإعادة الحياة لما يسمى المعارضة المعتدلة التي فقدت وجودها وعجزت واشنطن في السابق عن إثبات وجودها.. فتهديدات واشنطن التي جاءت على لسان جون كيري بشكل مبطن حين قال: «ربما أصبح الوقت متأخراُ على المحافظة على سورية كاملة إذا ما انتظرنا لمدة أطول».. وجاء تصريحه هذا أمام لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس للإعلان بأن واشنطن تعد لمرحلة أطلقت عليها اسم (المرحلة ب) إذا لم ينجح اتفاق (وقف الأعمال العدائية).
وهذا التهديد الأميركي وصفه كثيرون من المحللين بمحاولة الإيحاء بأن واشنطن قادرة على التحكم وعلى فرض أي بديل يخدم مصالحها في هذه التطورات التي قد تنشأ عن تنفيذ أو عدم تنفيذ (وقف الأعمال العدائية)، لكن الحقيقة على الأرض وبعد خمس سنوات على الحرب الشاملة الأميركية – الصهيونية ضد سورية تثبت أن أي (مدخل) تريد واشنطن استخدامه لتنفيذ (الخطة ب) أو أي ثغرة تريد توسيعها لتحقيق هذا الغرض أصبح من الصعب جداً إن لم يكن من المستحيل أن تنجح فيه بسبب عدد من العوامل الجوهرية أولها: الاتفاق الروسي – السوري على وحدة وسلامة السيادة السورية على كامل أراضيها، فأي تهديد يمس هذه الوحدة سيتطلب من الطرفين معاً التصدي له على غرار التصدي المستمر للمجموعات الإرهابية وثاني هذه العوامل هو أن الجيش السوري والقيادة أثبتا للشعب السوري أن هدف الحرب على سورية منذ آذار (2011) هو تفتيت سورية وأن السنوات الخمس التي خاض فيها الجميع شعباً وجيشاً وقيادة الحرب على الإرهابيين بدأت الآن تنقل سورية إلى مصادر قوة متزايدة يساندها الشعب وكافة أحزاب المعارضة الوطنية.. وثالث هذه العوامل هو: الدور المتزايد للتحالف الاقليمي الذي تشكله قوى المقاومة من طهران إلى المقاومة اللبنانية إلى سورية ومعها المقاومة الفلسطينية والإسناد العراقي المتصاعد على مستوى الحكومة والشعب.. فواشنطن التي سخرت كل مصادر قوة وتدخل حلفائها المحليين من تركيا إلى السعودية وقطر لم تستطع تأمين (انتصار) واحد لهؤلاء الحلفاء لا ضد سورية ولا ضد اليمن ولا ضد حزب اللـه ولا ضد العراق وإيران.
وهذا ما يراه مركز أبحاث أميركي (اكتيفيست بوست) في تحليل كتبه (براندون تيريفيل) تحت عنوان خطة (ب) التي هدد بها كيري هي بالحقيقة خطة (بيرجينسكي) التي نشرها مركز (بروكينغز) الأميركي الشهير للدراسات حول تقسيم سورية والتي جاء فيها إن (حل الأزمة في سورية يبدو قائماً بما يشبه أزمة البوسنة قبل تقسيمها).. ويضيف (تيريفيل) إن كيري لن يستطيع طرح مثل هذه المقارنة وفرضها لأن الوضع الدولي الذي شهد تزايد الدور الروسي والصيني ووقوفه في وجه القطبية الأميركية الواحدة ونظامها الذي فرض ما فرضه في بداية التسعينيات في يوغوسلافيا لا يوفر الآن إمكانية نجاح واشنطن في إدارة حلول الأزمات لوحدها.. وبالإضافة إلى هذا الوضع الدولي الجديد نحن نجد أن واشنطن لم تستطع حتى الآن فرض كل ما ترغب على العراق سواء لجهة (مشروع التقسيم) المعد منذ عشرات السنين أو لجهة منع العراق حكومة وشعباً من التعاون والتحالف مع طهران ودمشق ضد كل ما يمس السيادة العراقية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن