قضايا وآراء

صفقة ميركل وأردوغان ستنهي المستقبل السياسي للمستشارة الألمانية

| د. قحطان السيوفي

المستشارة الألمانية (أنجيلا ميركل) مصابة بجنون العظمة بعد (11) عاماً من ترؤسها دولة تملك أكبر اقتصاد أوروبي؛.. وقد أدت سياسة الباب المفتوح للاجئين الذين تجاوز عددهم المليون في ألمانيا… إلى حدوث أزمة كبيرة لميركل وخاصة بعد الصفقة التي عقدتها مع أردوغان حول تسهيل تدفق اللاجئين إلى أوروبا… وأصبحت ميركل تُستقبل بجوٍ عدائي حيثما ذهبت داخل ألمانيا وفي أوروبا… وقد تراجعت شعبيتها… وهناك سخط بين أعضاء البرلمان التابعين لحزبها. دول جنوب أوروبا، غاضبة بسبب سياسة التقشف وتعاني من اللاجئين الذين يصلون إلى شواطئها، على حين في شرق أوروبا، حوّلت القومية الدول التي كانت فيما مضى، مُمتنة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، إلى حلفاء حذرين. حتى فرنسا، أقدم شريك لألمانيا، غير مرتاحة، مع وصف أحد الوزراء الفرنسيين سياسة ألمانيا بأنها (لا تُحتمل) وما يُضيف إلى مشاكل ميركل، الموقف الحازم للرئيس الروسي بوتن في أوكرانيا وسورية… ما عمق التناقضات داخل دول الاتحاد الأوروبي، فمثلاً بولندا تطالب بموقف صارم ضد روسيا، على حين تضغط إيطاليا، لتقديم تنازلات… أزمة اللاجئين جعلت تطبيق سلطة ميركل أكثر صعوبة بكثير. إذا ضغطت برلين أكثر، قد يؤدي هذا إلى تقسيم الاتحاد الأوروبي…. باعتبار أن ميركل نشأت في أرض مقسّمة، حاولت الحفاظ على الاتحاد الأوروبي لكنها مصابة بخيبة أمل من هذا الاتحاد. آخر استطلاع للرأي أظهر نسبة الألمان الذين يُقيّمون الاتحاد بشكل إيجابي تنخفض من 45% في أيار (مايو) 2015 إلى 34 % في تشرين الثاني (نوفمبر) 2015.
الأزمة تزيد من أصوات المعارضة في كتلة ميركل المُحافظة المكونة من حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي وحزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي.
اتّهم فيكتور أوروبان، رئيس الوزراء المجري المُحافظ ميركل «بالإمبريالية الأخلاقية». مانيول فالس، رئيس الوزراء الفرنسي قال إن باريس لن تُشارك في حصة لاجئين على نطاق الاتحاد الأوروبي.
ماتيو رينزي، رئيس الوزراء الإيطالي، قال (إن ميركل كانت تتجاهله فيما يتعلق باللاجئين… وأنا أعرف النتائج من الصحافة) من جهة أخرى يستمر اللاجئون بالتدفق. وصل عددهم في تشرين الأول (أكتوبر) 2015، 220 ألفاً وهي أعلى عشرة أضعاف مما كانت في كانون الثاني (يناير) من عام 2014، وذلك وفقاً لمفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة.
طالبت ميركل بحدود خارجية أقوى، وخاصة في اليونان، أكبر نقطة دخول؛ وسعت إلى اتفاق مع تركيا، بلد العبور الأكثر أهمية؛ ودعت إلى إعادة توزيع اللاجئين… وهناك انقسامات عميقة حول الموضوع.. بالمقابل ميركل متواطئة مع رجب طيب أردوجان حول تدفقات اللاجئين، وموضوع الأكراد… من خلال صفقة أصبحت معروفة… لدرجة أن ميركل تُردد كالببغاء مواقف أردوغان حول سورية والأكراد.. ميركل تدعم الآن خطط الاتحاد الأوروبي لنقل مئات الآلاف من اللاجئين مباشرة من مخيمات اللاجئين في تركيا بموجب هذه الصفقة، إعادة توزيع اللاجئين في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي يبقى القضية الأكثر تقلبا. في صفقة شاقة العام الماضي، وافقت الدول على إعادة توطين 160 ألف شخص، لكن مع تلكؤ الحكومات، لم ينتقل سوى 500 شخص.. في أوروبا الغربية، الانتقادات لسياسة ميركل نحو اللاجئين أكثر دقة.
لقد هاجمها رئيس حكومة فرنسا انسجاماً مع المشاعر المناهضة للهجرة، لكن فرانسوا هولاند قاوم محاولات عزل ألمانيا… بدورها اضطرت ميركل، للتخلي عن الجهود المبذولة لصياغة موقف مشترك في الاتحاد الأوروبي لوقف تدفق اللاجئين.
رئيس الوزراء البريطاني تجنّب انتقاد برلين بسبب اللاجئين. حيث يحتاج إلى دعم ميركل من أجل إصلاحات الاتحاد الأوروبي ما يُمكن أن يساعده على الفوز بالاستفتاء المقترح وتجنّب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.. ساندرو جوزي، وزير الخارجية الإيطالي لشؤون الاتحاد الأوروبي، يقول: إن الانتخابات قد أفرزت قيادات جديدة في اليونان والبرتغال والسويد وربما إسبانيا، حيث لا يزال يجب أن تظهر حكومات جديدة أقل تماشياً مع ميركل.
يقول: «ميركل تملك عدداً أقل من الحلفاء، حكومات أوروبا، بشكل عام، قلقة من تدفق اللاجئين…. ويميلون للتقرب من روسيا؛ في حزيران (يونيو) المقبل، يجب على الاتحاد اتخاذ قرار بشأن تجديد العقوبات المفروضة على روسيا بسبب أوكرانيا. بعض البلدان الأوروبية ترغب في تخفيف العقوبات على روسيا… دول أوروبا في معظمها غير متحمسة للإذعان للضغط الأميركي لمعاداة روسيا… بالمقابل إيطاليا تعمل على تصفية حسابات قديمة مع ميركل من خلال منع تمويل استضافة اللاجئين الموعود لتركيا.
وإذا نظرنا إلى الوراء، نلاحظ أن السلطات الأوروبية ارتكبت أخطاء كبيرة منها الفشل في تنظيف نظامها المصرفي بعد انهيار المصارف الأميركية 2008، وسياسة التقشف المالي المُؤيدة للدورات الاقتصادية، وإخفاقات السياسة المتعددة للبنك المركزي الأوروبي…. ومن المثير للاهتمام أن كل واحد من هذه القرارات كان في نهاية المطاف نتيجة الضغط الذي مارسته المستشارة الألمانية ميركل… أخيراً فإن حالة الإرباك والتخبط التي تعيشها أوروبا، وتدفق اللاجئين يُنذر بأخطار… قد تكون المستشارة الألمانية ميركل إحدى ضحاياها… والمشهد يشير إلى وجود بابين لأوروبا الأول لدخول اللاجئين، والآخر لخروج ميركل.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن