الأولى

واشنطن والمفاجأة المُحتملة

| بيروت – محمد عبيد

السؤال الأكثر تداولاً الآن في الكواليس السياسية الإقليمية والدولية المعنية بالأزمة في سورية وأيضاً في أوساطها الشعبية هو: هل سيصمد ما يسمونه اتفاق وقف الأعمال العدائية وكيف؟
ففي الشكل أولاً، تفترض التسمية ارتكاب الاعتداء من طرفين متساويين من حيث المسؤولية والشرعية في الحرب القائمة، على حين أن الواقع يتمثل في مواجهة بين طرف معتد ليس لديه أي شرعية تمثيلية شعبية أو سياسية قائم على الدعم البشري والمالي والعسكري والسياسي من قوى خارجية، وبين طرف يستمد شرعيته من ثلاثية ذهبية مكونة من القيادة السياسية والجيش وأغلبية الشعب ويقف في موقع الدفاع عن الوطن وأهله لأنه لم يبادر أصلاً إلى الاعتداء على أحد، سوى في حال اعتبر هذا الدفاع عدواناً، عندها يفترض أن يسري هذا التوصيف على الدول والجيوش كافة التي تُشكِل التحالفات الدولية والإقليمية تحت عنوان محاربة الإرهاب بل اجتثاثه من منابعه من خلال حملات استباقية تمنعه من الوصول إلى أراضيها.. فكيف بسورية التي تقاتل الإرهاب نفسه على أراضيها!
أما حول المضمون، فإن الشريك الروسي كان وما زال يراهن على أن هذا المسار الذي يُكَمِل العملية السياسية التفاوضية غير المباشرة والتي من المفترض أن تشهد دورة جديدة في السابع من الشهر المقبل، إنما يفتح الآفاق لتفاهمات عميقة مع الولايات المتحدة الأميركية تؤدي إلى اعتماد الأخيرة منطق موسكو وحلفائها لجهة تحديد تسميات التنظيمات الإرهابية وماهيتها ما يساعد في حصر المناطق التي تحتلها، إضافة إلى تكريس شرعية العمليات العسكرية الجوية والبرية التي يقوم بها الجيش العربي السوري وحلفاؤه ضد هذه التنظيمات على المستوى الدولي من خلال القرارات الصادرة عن مجلس الأمن الدولي ذات الصلة.
لكن هل بلغ الانكفاء الأميركي الذي يحكى عنه في الدوائر الأميركية والدولية عامة حد السذاجة كي تنطلي على واشنطن هذه المحاولة إن لم نقل المناورة، وهل من الطبيعي أن تقبل الإدارة الأميركية الانتقال من حالة عدم التدخل المباشر إلى القبول المطلق بالمقاربة الروسية مع ما يمكن أن يستتبع ذلك من توهين للقوة الأميركية أمام أتباعها وحلفائها أولاً وخصومها وأعدائها ثانياً، ناهيك عن الإخلال بالتوازن الدولي والإقليمي الذي يعتبر الأميركي أنه يميل دائماً لمصلحته مهما طرأ من تطورات ومتغيرات انطلاقاً من قناعته أنه كان ومازال القوة العظمى الأولى منذ انهيار الاتحاد السوفييتي.
من الواضح أن تصريحات وزير الخارجية الأميركي جون كيري التي أعقبت الإعلان الروسي- الأميركي كل على حدة حول وقف الأعمال «العدائية» حملت الكثير من التحذيرات بل إنها وضعت سقفاً عملانياً وزمنياً لهذا المسار يشي بنوايا مبيتة لدى الجانب الأميركي تحت عنوان البدائل الأحادية الخيار والتصرف في حال تعثر العملية التفاوضية والميدانية.
يبدو أن الإدارة الأميركية لن تتقبل ببساطة هزيمة أتباعها في المنطقة وخصوصاً النظامين السعودي والتركي حتى وإن اختلفت معهما حول إدارة المعركة وسقفها وآلياتها وتحديداً في هذا التوقيت الانتقالي- الرئاسي الذي يفترض تجميداً مقصوداً في السياسة الخارجية بانتظار تسليم الرئيس العتيد مقاليد الحكم. فالحليفان متوتران بسبب إخفاق مشاريعهما في سورية خاصة ويضغطان ويهددان بالذهاب إلى حد توسيع دائرة الحروب المتنقلة التي يديرانها لتصل نارها إلى العالم وعلى الراعي الأميركي أن يطمئنهما. تبدو المسألة معقدة جداً في ما تبقى من وقت لدى الإدارة الأميركية، على حين ترى مصادر ديبلوماسية غربية أن واشنطن تتحفز للإقدام على خطوة مفاجئة تتمثل بدفع مجموعات «كردية» حليفة للسيطرة على الموصل العراقي وصولاً إلى الرقة السورية ما يؤدي إلى إشغال إيران وسورية وروسيا ومعهما العراق الذي سيفقد آخر آماله باستعادة وحدة أراضيه، وما يوفر أيضاً لواشنطن فرصة زمنية بعد خلق هذا الواقع الجديد الذي يخلط الأوراق كافة ويطمئن أتباعها بانتظار القادم إلى البيت الأبيض.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن