قضايا وآراء

على أبواب انتخابات مجلس الشعب- ما المطلوب!!

| د. بسام أبو عبدالله

تكتسب انتخابات مجلس الشعب السوري في الثالث عشر من نيسان المقبل أهمية خاصة في هذه الظروف الاستثنائية، والقاسية التي يمر بها وطننا سورية، من حيث إنها استحقاق دستوري واجب التنفيذ في موعده بغض النظر عن الضغوطات الكبيرة التي يعيشها الشعب السوري، لا بل إن إجراءها في موعدها هو رسالة سياسية، وشعبية لا بد أن تكون مدوية للجميع من أن من يقرر في هذا الوطن هم السوريون، والسوريون وحدهم، وأن محاولات قوى كثيرة بعضها ينتحل صفة (المعارضة) وآخرون يتلطون خلف اللافتة نفسها في الخارج بالتشكيك بها، أو بدستورية إجرائها هو أمر لا وزن له، ولا تأثير، ولو كانت القيادة السورية سوف تعير انتباهها لهذه الطروحات لما أجرت أي استحقاق دستوري في موعده، ولتحولت سورية إلى دولة تحت الانتداب، أو الوصاية كما أراد لها أعداؤها، تنتظر قرارات القوى الدولية، والإقليمية لتحدد لها مستقبلها، وشكل نظام حكمها، ولتفخخ لها دستوراً يخلق بذاته عناصر التفجير الداخلي، والاشتباك الدائم، ويكون سبباً، ومسبباً لعدم الاستقرار، وتثبيت أدوات التبعية، والارتهان الخارجي بشكل شرعي، ودستوري.
من هنا فإن تأكيد الرئيس بشار الأسد مؤخراً أن الدستور هو الحامي للجميع، وهو الضامن أيضاً بمثابة رسالة واضحة للداخل والخارج بأن أي حديث عن مشاريع سياسية لسورية المستقبل تمر عبر بوابة الدستور أي تعديل الدستور، ودعمه باستفتاء شعبي يقبل هذا التعديل، ويرى فيه مصلحة وطنية سورية للجميع، وإلا فإن تنظير البعض لرؤاه، وأمانيه وأحلامه، وغالباً أوهامه يبقى مجرد كلام للتنظير لا قيمة له شعبياً، ومن هنا فإن الحديث عن جنيف (3)، أو (4)، أو (10) ستخضع في النهاية كل مخرجاته للإرادة الشعبية السورية التي هي مصدر كل السلطات، كما يقول منظرو الغرب عن الديمقراطية، ولأن الأمر كذلك فإننا أمام دورٍ مهم لأعضاء مجلس الشعب القادم، ومهام وطنية كبرى ترتبط بمستقبل البلاد، وأماني السوريين، وتحمل آهات المعذبين، وآلامهم، وكذلك أمانة دماء آلاف الشهداء، والجرحى، وأُسرهم، وأبنائهم..
ليست قضية الترشيح لعضوية مجلس الشعب قضية شخصية، بل هي قضية وطنية فنواب المجلس إضافة لحصولهم على الدعم الشعبي، فإنهم يحصلون على دعم قوى سياسية، وأحزاب، وتيارات مجتمع مدني، ولهذا فإن الدور المنوط بهم في هذه المرحلة الحساسة مهم، وكبير، ويتمثل بمجموعة مهام أساسية، ورئيسية:
1- العمل التشريعي: وهو دور أساسي لأي برلمان، ولكن لابد أن يكون في الاتجاهين أي استقبال مشاريع الحكومة، والمراسيم الرئاسية لمناقشتها، وإقرارها، وفي الوقت نفسه المبادرة من أعضاء المجلس لتعديل قوانين، وأنظمة تحقق مصالح فئات اجتماعية وطبقية، ومصالح عامة للناس.
2- الرقابة على عمل الحكومة: وهذه المهمة يجب ألا تكون موسمية كما يحدث الآن عندما يستدعى بعض وزراء الحكومة على عجل للاستجواب فتبدو القضية غير مقنعة، وإنما يجب أن تكون منهاج عمل للمجلس يقوم على أسس علمية، وموضوعية، بمعنى ضرورة المتابعة الدورية لعمل الوزارات، وأدائها، وتسجيل الملاحظات، والأرقام والمعطيات وامتلاك ملفات كاملة عن عمل الحكومة تساعد في نقاش علمي موضوعي لكل قطاع، إذ لا يعقل أن أناقش مثلاً وزير الكهرباء وأنا لا أميز بين (الميغا واط – والكيلو واط) ولا أعرف خريطة الكهرباء في سورية، وواقعها، وحجم الأعباء، والأرقام، وهذا ينطبق على الاقتصاد، والتربية، والتعليم، والإعلام.. إلخ.
هنا لا بد للبرلمان أن يستعين عبر لجانه المختصة بآراء تكنوقراط حياديين ليسوا ضمن هذه المؤسسات كي يستطيع عضو البرلمان أن يقدم مطالعة علمية موضوعية تشيد بأداء الحكومة حيث يكون هناك إيجابيات، وتنتقد أداء الحكومة حيث السلبيات والأهم تقديم البدائل، والمقترحات في هذه الحالة، إذ إن كثيرين منا ينتقدون لمجرد الانتقاد من دون أن يكون لديهم بدائل.
3- محاربة الفساد: لا بد للمجلس القادم أن يفسح مجالاً لمناقشة هذه الظاهرة الخطرة التي تفتك بحياة المواطن، وقوته، وفي أخلاقيات المجتمع، وتماسكه، وتؤسس للانتهازيين، والوصوليين، وهنا ليس المقصود ملاحقة أشخاص، وأفراد، فهذا عمل المؤسسات، وممكن كشف المستور، وفضحه، والعمل على إغلاق المنافذ القانونية، والتشريعية التي يتلاعب من خلالها المفسدون الذين ازداد عددهم بشكل مذهل خلال السنوات الخمس الماضية، ليتحولوا إلى ظاهرة، وحالة لافتة في بلدنا، ومجتمعنا وهذا أيضاً يتطلب رفع مستوى دخل أعضاء مجلس الشعب، وتحصينهم، وإعطاءهم بعض الامتيازات التي تساعد في أداء مهامهم الوطنية.
عندما نتحدث عن الفساد كظاهرة معقدة لها أبعادها الاقتصادية، والاجتماعية والقانونية، والأخلاقية فإن المقصود ليس القضاء عليها قضاءً مبرماً لأنني أعتقد أن هذا الأمر صعب للغاية، ولكن على الأقل التخفيف من تأثيراتها في حياة الناس البسطاء، والفقراء، وما أكثرهم في سورية هذه الأيام، وتسليط الضوء على مكامن هذا الخلل، لأن الخطورة قد أصبحت في مجتمعنا ليس الفساد، إنما مفهوم آخر هو (الإفساد) أي دفع من لم يتورط في الفساد دفعاً لهذا الاتجاه تحت ضغط تكاليف الحياة المرتفعة، ليقع في المحظور.
إن أحد أوجه مواجهة هذه الظاهرة، وغيرها يمكن أن يكون أيضاً من خلال اقتراح تشكيل لجان برلمانية خاصة للتحقيق في قضايا ذات أهمية كبيرة للمجتمع، والضغط عبر ذلك على الحكومة لإبعاد المسيئين ومحاسبتهم أينما كانوا، وهو إجراء متبع في برلمانات العالم، وكان متبعاً سابقاً في مجلس الشعب السوري.
4- العلاقات الدولية: يشكل عمل مجلس الشعب السوري في مجال الاتصالات الدولية بوابة مهمة لشرح واقع ما يجري في سورية، وعدالة قضية الشعب السوري، وما يتعرض له من إرهاب ممنهج لا بد من فضحه، وفضح القوى التي تقف خلفه.
– تعد القناة البرلمانية إحدى الأقنية التي يتبعها كثير من الدول سواءٌ في نقل الرسائل السياسية، والدبلوماسية أو في ترجمتها عبر التصريحات، والنشاطات، والفعاليات، ولا بد أن ينشط مجلس الشعب السوري القادم في هذا المجال، وخاصة أن عصر الدبلوماسية التقليدية قد انتهى، ليأتي عصر الدبلوماسية العامة- أو (الشعبية) التي تتنوع فيها، وتتناغم كل الأدوات من دبلوماسية تقليدية، إلى برلمانية، إلى مجتمع أهلي إلى دبلوماسية دينية، وشبابية، ونسائية لتخدم جميعها الرسالة الوطنية السورية حيثما يجب، وبشكل مكثف بحيث لا يحدث انقطاع بيننا، وبين العالم، ونكون موجودين حيث يجب أن نكون، وبالأداة المناسبة.
الحركة الدبلوماسية البرلمانية يجب أن تكون أحد أهداف المجلس القادم لدعم الدبلوماسية السورية الناجحة، وتدعيمها في كل المجالات سواء من حيث الفعاليات، أو النشاطات، أو التصريحات الإعلامية، وهو ما نراه، ونرصده لدى الآخرين في هذا العالم (روسيا- إيران) أو لدى (فرنسا- بريطانيا- أمريكا…الخ).
5- إنشاء آلية لمراقبة عمل، ونشاط أعضاء البرلمان:
هذه الآلية مفقودة إلى حد كبير، إذ مع نهاية عمل هذا المجلس، لا يوجد لدينا أي معطى علمي- حقيقي نستطيع من خلاله تقييم عمل أعضاء مجلس الشعب مثلاً (نسب الحضور في الجلسات)- إذ يقال إن هناك نواباً أخذوا الحصانة البرلمانية- وسافروا، وهناك آخرون لم يُسجل لهم كلمة واحدة طوال أربع سنوات، وهناك من كان لهم دور فعال سياسياً، واجتماعياً ولم يعرف أحد عنهم شيئاً، ولذلك لابد من إيجاد آلية شفافة تنشر هذه المعلومات للناخب كي يعرف أيضاً هل وضع صوته لمصلحة الشخص المناسب أم لا.
– هناك تجارب لبعض الدول مثلاً- لديها منظمات حيادية مسؤولة عن الرقابة، ونشر المعلومات عن كل نائب (كم حضر من الجلسات، ما مشاريع القوانين التي دعمها- والتي عارضها- فعاليته، نشاطه الاجتماعي، والسياسي، والإعلامي… إلخ).
– هذه بعض الأفكار، والمقترحات القابلة للنقاش، والتطوير خلال المرحلة القادمة من العمل البرلماني بحيث يتميز بزيادة نوعية الأعضاء (علمياً وثقافياً واجتماعياً)، وأيضاً زيادة التغطية الإعلامية لنشاط مجلس الشعب الذي يجب أن تخصص لأعماله، وجلساته ساعات أسبوعية في إحدى المحطات السورية.
– كل ما سبق يرتبط بأمر واحد هو تعاطينا بجدية عالية، ومسؤولية وطنية، والتي هي معيار نجاح الشعوب، وتقدمها، وشعبنا الصامد، الصابر، الأبي يستحق من كل من سيختاره في الانتخابات القادمة أن يكون وقته مخصصاً له، ولقضاياه لأن ثقة الناس هي أغلى ما يمكن أن يملكه الإنسان.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن