قضايا وآراء

التصعيد السعودي

| تحسين الحلبي 

قد يعيد التاريخ نفسه أحياناً حين يراد تحقيق مخطط سبق أن شهده في الماضي مثل مخطط تقسيم المنطقة بموجب اتفاقية (سايكس بيكو) في الحرب العالمية الأولى فكل ما تشهده المنطقة الآن يدل على رغبة واشنطن ولندن وباريس ومعها هذه المرة تل أبيب لإعادة تقسيم المنطقة، لكن الظروف التاريخية التي سادت في (سايكس بيكو) لا تشبه الآن ظروف المنطقة.
ففي عام (1916) تحالف أول نظام رسمي عربي تعترف به قوى الاستعمار البريطاني والفرنسي مع مخطط التقسيم، فالأمير فيصل ابن الشريف حسين وافق وصادق على التقسيم وكان يشكل لوحده المرجعية المعترف بها من الدولتين الاستعماريتين اللتين قسمتا المنطقة بينهما ومنحتا فلسطين للحركة الصهيونية.. ولولا دور فيصل لاستمرت الثورة العربية كحركة تحرر وليس كحركة تابعة للاستعمار البريطاني ولم يتسن لحركة التحرر العربية في سورية بشكل خاص أن تحقق استقلالها إلا بعد أكثر من عقدين هي ولبنان وبقي جدول عمل تحرير فلسطين من أولويات حركة التحرر القومية حتى هذه اللحظة..
وفي الظروف الراهنة يلاحظ الجميع أن حركة مناهضة مخطط إعادة تقسيم دول المنطقة موجودة وتقودها دول وأطراف محور المقاومة بينما يتواطأ النظام الرسمي العربي مع هذا المخطط ويوظف جيوشه وأمواله ووسائله الإعلامية لتنفيذه تحت إدارة الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا ولمصلحة الكيان الصهيوني وهذه الدول.
ولذلك ما زال مخطط إعادة تقسيم واقتسام المنطقة يصطدم بمجابهة صلبة من أطراف ودول المقاومة التي اتسعت حشودها من اليمن إلى العراق وازدادت مكانتها السياسية الإقليمية والدولية بفضل متانة التحالف مع موسكو وبكين اللتين تتمسكان بسيادة جميع دول المنطقة ووحدة أراضيها، وتناهضان سياسة الهيمنة الأميركية.. ومع التصعيد الذي أعلنته السعودية ودول مجلس الخليج ضد المقاومة اللبنانية واعتبار حزب اللـه (منظمة إرهابية) يبدو أن سيناريوهات واحتمالات متعددة بدأت تفرض نفسها على المنطقة فمن الملاحظ أن السعودية تسعى إلى تجنيد الدول العربية التي ما تزال ترفض الموافقة على السياسة السعودية تجاه سورية وحزب اللـه وإيران ولذلك يرى أحد السيناريوهات أن فشل السعودية في تحقيق هذه الغاية سيكون مؤكداً وستجد دول مجلس التعاون الخليجي أن توريطها العبثي في حروب السعودية لن يجلب لها سوى الأعداء والخسارة المالية لأنها ستدفع ثمن أي حرب ضد طهران أو حزب اللـه حتى لو كانت بأيدي أتباع السعودية في لبنان.. ويرى هذا السيناريو أن الأزمات التي ولدتها السعودية في سورية واليمن والعراق لن تنتقل إلى لبنان رغم أن التصعيد السعودي يرغب بوقوع حرب أهلية في لبنان ويرجح السيناريو الذي تحدث عنه الموقع الأميركي المعارض للحرب (أنتي وور) أن يزداد عدد الدول المتحالفة علناً مع الدور الروسي الذي يسعى إلى إطفاء نيران الحروب لا إشعالها وأن تجد السعودية أن عجزها عن شن حرب على طهران سيفرض عليها جموداً في مختلف الاتجاهات. فإسرائيل لن تخوض حرباً على طهران ولا على حزب اللـه لأنها تدرك أنها ستفشل على غرار عدوان تموز (2006) ولن تحقق أي هدف من حرب كهذه ولذلك تفضل إسرائيل أن تقوم السعودية بتمويل أي حروب داخلية في لبنان وبمنع أي استقرار مقبل على الوضع السوري.. ومع ذلك يرى سيناريو طرحه موقع (تايمز أوف إسرائيل) أن إسرائيل تفضل أن تنشغل السعودية وتركيا بتهديد طهران وأن ينشغل أتباع السعودية في لبنان بإشعال نار التوتر مع حزب اللـه وإبقائه تحت تهديد الأزمة الداخلية اللبنانية بهدف منعه من زيادة دوره في سورية وخصوصاً في المعركة المقبلة ضد داعش في عرسال وحدود لبنان مع سورية.
وفي المحصلة النهائية لن ينتج عن تهديد السعودية ومجلس دول الخليج لحزب اللـه سوى الجمود لأن أي تصعيد في الإجراءات المعادية للحزب لن تشارك فيها دول عربية كثيرة وستحاول بعض دول الخليج النأي بنفسها عن الهجوم السعودي على حزب اللـه بموجب احتمالات معقولة وستجد واشنطن أن استخدامها لحلفائها لن ينتج عنه تقسيم جديد لبعض دول المنطقة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن