قضايا وآراء

خريطة سياسية مرتقبة

| مازن بلال 

انعقاد جنيف ربما يكسر المشهد السياسي لأنه يظهر على قاعدة من التفاصيل الجديدة، فلأول مرة منذ بداية الأزمة السورية تظهر القوى الإقليمية أمام خيارات محدودة، وفي الوقت نفسه هناك تهديد جدي لفقدانها بعض عناصر القوة التي كانت تتمتع بها، فـ«وقف الأعمال العدائية» أتاح اتصالاً مباشراً مع الكثير من الفصائل العسكرية، وفي الوقت ذاته وسع من ممكنات هذه المجموعات لكي تتمكن من رسم خياراتها بعد خمس سنوات من الحرب.
وإذا كان المسار السياسي يحتاج إلى آليات معقدة وإلى حل أزمة إقليمية بالدرجة الأولى، فإنه في الوقت نفسه يظهر على مساحة من العلاقات الداخلية الجديدة، لأن الحرب التي استنزفت معظم القوى لم تعد اليوم مجرد مواجهات ضمن جغرافية محددة، وأصبحت ضمن إطار البحث عن توازنات إقليمية أوسع مما كان متوقعاً، فالأزمة السورية فرضت أمرين:
– الأول يرتبط بالأمن الإقليمي الذي تبدل جذرياً بعد أن تحول الصراع باتجاه مجابهة سعودية بالدرجة الأولى؛ تسعى لرسم دائرة واسعة لدورها الإقليمي بشكل منفرد، والقرار الأخير بشأن «حزب الله» يوضح أن «فتح الجبهات» هو في صلب إستراتيجية الرياض، فإدخال «حزب الله» ضمن لائحة إرهاب خاصة بالسعودية لا يعني سوى استفزاز للداخل اللبناني، ولكسر التوازن القلق القائم في ظل عدم القدرة على انتخاب رئيس للجمهورية.
– الثاني توسيع التوازن في شرقي المتوسط باتجاه الشرق، فإيران في النهاية تفرض حالة أوسع في التوازنات الإقليمية القادمة، فهي ليست «دائرة» ضمن منطقة الخليج كما كانت أيام الشاه، ولم تعد «محور الشر» بل نقطة اتصال مع شرقي آسيا قادرة على تثبيت جملة مصالح إقليمية ودولية ابتداء بخطوط التجارة وانتهاء بكل مسائل الطاقة، وكانت الأزمة السورية الاختبار الأصعب للحالة الإيرانية المقبلة، فإغلاق منافذ إيران من الغرب، أو حصارها إن صح التعبير يبدأ وينتهي في سورية.
اتجاهات البحث عن مسار سياسي جديد لسورية مازال في مراحل التحضير للخريطة السياسية القادمة، وهي خريطة لا تتعلق فقط بالتحالفات بل أيضاً بالخطوط الحمر التي يمكن أن تفرض لوقف الاحتكاك الإقليمي والدولي، ولإيجاد امتداد واسع للتوازن الإقليمي باتجاه الشرق، سواء نحو العراق أو حتى نحو أفغانستان، وهما أمران يتعلقان بالدور الإيراني أولاً وأخيراً، وربما ينطلق التصور الجديد من تحديد «الشرق الأوسط» كـ«إقليم اقتصادي»؛ انطلاقاً من سورية ياتجاه الشرق، ورغم أن هذا التصور مازال غائباً لكنه يظهر في مؤشر السياسات الإيرانية والروسية، حيث تبدو «الدائرة الاقتصادية» الأوسع ضرورية لروسيا لتوازن مسألة الطاقة وأسعار النفط، وهي أيضاً دائرة على مستوى خطوط التجارة بالنسبة لإيران والصين، ودون حل الأزمة السورية التي تقع في مركز الدائرة الإقليمية، فإنه من الصعب تحقيق المصالح الإقليمية والدولية في المنطقة.
المشهد السياسي القادم لا يستبعد الولايات المتحدة، بل هي في صلب هذا الأمر لأنها وحدها القادرة على التأثير في أي توازن جديد، فهي لا تملك شركاء في المنطقة فقط، بل تسيطر على النموذج الاقتصادي والسياسي، وفي انتظار قدرة الدول «الصاعدة» على بلورة النموذج الخاص بها فإن الإدارة الأميركية ستبقى نقطة التحريك للمشهد الجديد.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن