قضايا وآراء

أمام فابيوس متسع من الوقت لكي يصبح حكيماً

| مزري حداد

نشر الموقع الإلكتروني هوفنغتون بوست Hoffingtonpost اليساري بتاريخ 1 آذار مقالاً بعنوان: (لوران فابيوس لديه متسع من الوقت لكي يصبح حكيماً) بقلم الفيلسوف والدبلوماسي التونسي السابق ميزري حداد Mezri Haddad، ندرج أهم ما ورد فيه:

– أنا مقتنع تماماً أن لوران فابيوس لم يكن إلا قائد الفرقة الموسيقية التي تعزف سيمفونية مكتوبة في قصر الإليزيه منذ ولاية نيكولا ساركوزي. لم يكن لوران فابيوس الشخص الذي دشن السياسة الفرنسية المتهورة والانطوائية تجاه بلد بشار الأسد. كتبت ذلك في شهر تموز 2015، ولكن الوضع تغير كثيراً منذ ذلك الوقت. ما زالت سورية تشن كفاحها البطولي ضد الإسلاموية – الفاشية، وتشارك الفرنسيون والأميركيون مع الروس من أجل القضاء على الغنغرينا الداعشية الانتحارية في العراق وسورية وقريباً في ليبيا، وأصبح دور قطر وتركيا المتحالفتين مع الجهاد صغيراً جداً، ورحل لوران فابيوس.
– كان المحللون يعرفون أن أيام لوران فابيوس في وزارة الخارجية الفرنسية أصبحت معدودة منذ رفع العقوبات عن إيران والبدء بتطبيق الاتفاق حول الملف النووي بين الولايات المتحدة وإيران. كان لوران فابيوس يجسد التيار الأكثر تشدداً حيال الملف النووي الإيراني وتجاه القضية السورية. كانت الصحفية الأميركية أمبرواز بيرس Ambroise Bierce تقول إن الدبلوماسية هي «الفن الوطني للكذب من أجل الوطن». لكن الأمر الأكثر مدعاة للأسف في الغليان الدبلوماسي الفابيوسي تجاه المأساة السورية هو أن الكذبة لم تخدم إطلاقاً المصالح الفرنسية بل مصالح القوة الأميركية العظمى.
– إن الكذبة الأكثر وقاحة كانت في اتهام بشار الأسد باستخدام الأسلحة الكيميائية ضد «المتمردين المعتدلين». كانت المناورة تتمثل في دفع الوحش الأميركي لكي يقصف سورية عام 2013. فيما يتعلق بالأسلحة الكيميائية و«البراهين»، لا يمكن أن يجهل لوران فابيوس التحقيق الذي أجراه الباحث الإسرائيلي- الأميركي المعروف والمتخصص بأسلحة الدمار الشامل يوسف بودانسكي Youssef Bodansky الذي يعمل كرئيس تحرير مجلة Defense and Foreign Affaires. أكد يوسف بودانسكي بتاريخ 3 أيلول 2013 قائلاً: «بدأت قوات المعارضة السورية في تركيا يومي 13 و14 آب 2013 بالاستعداد لهجوم عسكري مهم. جرت لقاءات بين قادة التمرد وبعض ممثلي قطر وتركيا والولايات المتحدة في مقر الجيش السوري الحر بقاعدة هاتاي التركية. أبلغ قادة المعارضة القادة الإقليميين بتكثيف وشيك للمعارك بشكل سيسمح بتغيير طبيعة النزاع وربما سيقود إلى قصف أميركي في وسورية».
– أشار يوسف بودانسكي في ذلك الوقت إلى أن «تغيير طبيعة» النزاع ستكون عبر استخدام غاز السارين البدائي ضد المدنيين، وسيعقبه تصوير أفلام دعائية مضللة واللجوء إلى شهادات العديد من الأشخاص.
كما لم يكن لوران فابيوس جاهلاً بالتحقيق الذي أجراه سيمور هيرش Seymour Hersh بتاريخ 6 نيسان 2014 لمصلحة مجلة London Review of Books، وكشف هذا التحقيق أن «العينات التي أخذها الروس غداة هجوم 21 آب، وسُلّمت إلى الأجهزة البريطانية، تُظهر أن الغاز المستخدم لا يمائل الغاز الذي يملكه الجيش النظامي السوري».
ـ لم يكن بإمكان لوران فابيوس إخفاء شهادة النائبة العامة السابقة للمحكمة الجنائية الدولية حول يوغسلافيا السابقة كارلا ديل بونتي Carla Del Ponte التي قالت بتاريخ 5 أيار 2014 في مقابلة مع محطة BBC: «يجب تعميق تحقيقاتنا والتحقق منها وتأكيدها عبر الحصول على شهادات جديدة، ولكن معارضي النظام هم الذين استخدموا غاز السارين حسب المعلومات التي حصلنا عليها حتى الآن».
– لم يكن لوران فابيوس يملك السلطة الدينية لكي يطلق فتوى دينية ضد بشار الأسد، ولكنه بالغ كثيراً عندما قال في جملة غريبة عن مصطلح الدبلوماسية العالمية: «لا يستحق السيد بشار الأسد أن يكون على وجه الأرض». إنه كلام كريه وغبي ومُقزز. لقد كانت الشمس قوية جداً في شهر آب 2012 عندما كان وزير الخارجية الفرنسي يزور مخيم اللاجئين السوريين على الحدود السورية – التركية. يبدو أنه تأثر جداً من هذا المنظر المأساوي، ولكنه لم يكن على علم كافٍ بالدور الميكيافيلي الذي لعبه أردوغان في هذا الترحيل القاسي وفي الدعم اللوجستي الذي قدمه إلى برابرة داعش وجبهة النصرة. إن هذه الجملة لم تكن قاتلة بالنسبة لرئيس الدولة السورية الذي ما زال على قيد الحياة، بل قاتلة بالنسبة للدبلوماسية الفرنسية التي ستجد صعوبة كبيرة في الخروج منها.
– لن نجد مثيلاً للسيد فابيوس في قائمة وزراء الخارجية الفرنسية منذ مئتي عام، إنه لا يتمتع بالصفات البارزة التي تمتع بها وزراء الخارجية الفرنسية منذ ذلك الوقت حتى دومينيك دوفيلبان أو حتى برنار كوشنير. إنه بكل بساطة وزير عصره! أصبح لوران فابيوس اليوم رئيس المجلس الدستوري، ولديه متسع من الوقت لكي يصبح حكيماً».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن