قضايا وآراء

الخيارات الصعبة في ربع الساعة الأخير..!؟

| عبد السلام حجاب

من دون شك، فإن تأكيد الوزيرين الروسي لافروف والأميركي كيري مؤخراً أهمية التنسيق وخاصة في المجال العسكري، لم يمنع موسكو من أن تتحسب لسياسات واشنطن مزدوجة المعايير. فنقاط الخلاف متعددة ومناطق الاشتباك السياسي كثيرة. وليس أخيراً حديث كيري عن خطة ب عشية توقيع الاتفاق مع الجانب الروسي لوقف الأعمال القتالية في سورية وعلقت شبكة تلفزيونية أميركية مستدركة… أنها مجرد فكرة نظراً لكلفتها العالية، وزادها تعقيداً دخول سلاح الطيران الروسي وإداراته وصواريخه على الخط… ثم سريعاً أعلنت موسكو بأن من يذهب في هذا الاتجاه ينبغي عليه أن يتوقع عواقب خياراته، وهي لغة دبلوماسية لتحذير أصحاب الرؤوس الحامية في داخل أميركا وتلك المصابة بلوثة جنون العظمة خارجها ولاسيما العثماني أردوغان وحكام آل سعود ومشيخة قطر حيث تعلق الآمال على لائحة انتظار مسألتين:
1- انتظار ما يمكن أن تأتي به الانتخابات الرئاسية الأميركية من رئيس لا يحسب جيداً أين يضع قدمه في الخطوة اللاحقة وهو أمر مستبعد لأن الاختلاف بين الرؤساء الأميركيين يقع في سياق التكتيك غير المكلف في الواقع الدولي الراهن شديد التعقيد، ولا تفرضه المغامرة غير المحسوبة لحساب مصالح الآخرين.
2- انتظار نتائج الرهانات على هوامش الاتفاق الروسي الأميركي لوقف العمليات القتالية في سورية، وهي رهانات فاشلة حكماً وإن جرى تعليقها في خانة تصريحات كيري التي قرأتها سورية وروسيا وإيران والمقاومة اللبنانية، وأعدت لمواجهتها في السياسة والميدان، كما لم يمنع وصف المبعوث الدولي دي ميستورا للاتفاق بأنه هش لكنه صامد رغم خروقات الأطراف المراهنة، للعبث عبر أدواتها الإرهابية وبشكل مباشر أحياناً، من أن يدعو إلى استئناف جنيف 3 قبل منتصف آذار الجاري.
على أساس قرار مجلس الأمن الدولي 2254، متخذاً من الاتفاق الروسي الأميركي لوقف الأعمال القتالية في سورية الذي تبناه مجلس الأمن الدولي بالقرار 2268 مظلة للتحرك من أجل العملية السياسية ولحوار سوري سوري يقرر فيه السوريون مستقبلهم من دون تدخل خارجي أو أجندات إرهابية، يسعى المتضررون من الاتفاق إلى المناورة فيها بقصد حجز مقاعد للإرهابيين على طاولة حوار جنيف.
وليس بعيداً عن هذا السياق أعلن الكرملين أن رؤساء روسيا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا أكدوا أن تطبيق وقف الأعمال القتالية في سورية وفقاً للإعلان الروسي الأميركي قد حقق نتائج إيجابية. كما أنه من المهم مواصلة الحرب بلا هوادة على داعش والنصرة والتنظيمات الإرهابية الأخرى وهو موقف لا يقطع الطريق أمام الإرهابيين وصب ماء بارد على أصحاب الرؤس الحامية وحسب بل يفتح الطريق أمام دي ميستورا للقيام بواجباته ومسؤولياته لتطبيق القرارات الدولية وآخرها القراران 2254 و2268.
ولقد كان الرئيس الروسي بوتين واضحاً في حديثه عبر دائرة الفيديو مع كل من كاميرون وميركل وهولاند ورئيس الوزراء الإيطالي ماتيو رينزي «بأن قرار الحكومة السورية إجراء انتخابات مجلس الشعب في نيسان القادم ينسجم مع الدستور ولا يؤثر في الخطوات الجارية لبناء عملية سلمية لحل الأزمة في سورية». كذلك فقد أكد الوزير لافروف عدم وجود ارتباط بين اتفاق وقف الأعمال القتالية في سورية وبدء الحوار السوري السوري في جنيف لافتاً إلى أن العمليتين يجب أن تجريا بشكل متواز» ومن جانبه أكد دي ميستورا أن شن القوات الجوية الروسية ضربات على مواقع الإرهابيين في سورية حفز العملية الدبلوماسية حول العملية السياسية في سورية.
وعليه، فإن المؤكد بأن شيئاً لن يغير في هذه الحقائق وإن حاول الرئيس الفرنسي هولاند لحسابات مدفوعة الثمن سلفاً من الأطراف الداعمة والراعية للإرهاب، اعتبار الانتخابات التشريعية في سورية التي تجري وفق أحكام الدستور السوري بأنها خطوة استفزازية. وكأنه ليس من حق الشعب السوري أن يكون له برلمان جديد تبعاً لأحكام دستور البلاد الذي أقره السوريون عبر صناديق الاقتراع كما سيقررون لاحقاً أي خطوة سياسية تتعلق بخياراتهم الوطنية السيادية.
لكن، وفي ربع الساعة الأخير من الأزمة في سورية، حيث جنيف القادم منصة إطلاق لعملية سياسية قال بشأنها دي ميستورا: إنه من المفترض أن يكون الحل بقيادة سورية وملكاً للسوريين، متسائلاً لماذا يجب أن نقول مسبقاً ماذا يجب أن يقول السوريون!؟
ليبقى السؤال قائماً بشأن خيارات المثلث الإرهابي التركي السعودي القطري على قاعدة مصالح الكيان الإسرائيلي الذي يجد في السلوك الأميركي المناور مساحة لارتكاب حماقات لا تخرج عن رغبات الراعي الأميركي، وتمرير الوقت لاستعادة إحياء الخيار العسكري والدخول إلى الخيارات الصعبة وربما الكارثية؟ الأمر الذي أثار تساؤلاً للكاتب مايك ويتني في مجلة «كاونتر بانتش» الأمريكية مفاده… أن أميركا رفضت مؤخراً مشروع قرار روسي أمام مجلس الأمن الدولي كان يهدف إلى منع أي تدخل تركي مباشر في سورية وليس مطلوباً فيه سوى دعم سيادة سورية ومعارضة العدوان المسلح عليها». كذلك فقد أعلن البنتاغون بتاريخ 26 شباط الفائت عن صفقة بيع تركيا قنابل خارقة قيمتها 683 مليون دولار. ثم هل هناك من تفسير مقنع لعدم إبلاغ الخارجية الأميركية «الشريك الروسي المفترض» بتسلمها موافقة خطية قالت إنها تسلمتها من 97 فصيلاً مسلحاً. ناهيك عن تغطية سياسية لتردد معارضة الرياض واسطنبول لحضور جنيف وإطلاق شروط في مواجهته خارجة عن سياق متطلبات انعقاده التي تلحظ بوضوح التمسك بوحدة وسيادة الأراضي السورية وحق السوريين وحدهم في تقرير مستقبلهم بقيادة سورية.
واستنتاجاً فإن أسئلة تستعيد مكانها حول السلوك الأميركي من بينها:
1- هل إن أميركا تحاول استعادة سياسة احتواء تنظيم داعش الإرهابي لحساب شرعية العائلة السعودية المستمدة من التبني السياسي والمعتقدي للوهابية. بحيث لو تضررت العلاقة بين الوهابية وداعش الإرهابي لانتشرت الفوضى في كل أنحاء السعودية!!
2- هل إن قرار الكونغرس الأميركي وضع الإخوان المسلمين على لائحة الإرهاب جاء بهدف الضغط على أردوغان بحيث لا مجال لاجتهادات تعاكس الاستراتيجية الأميركية ولا تنسجم مع التوقيت الأميركي، ولاسيما أن الخارجية الروسية وصفت تصرفات تركيا بأنها قنبلة موقوتة تحت طاولة الاتفاق الروسي الأميركي!؟
3- هل يمكن اعتبار القرار السعودي عبر مجلس التعاون الخليجي باعتبار حزب الله منظمة إرهابية خطوة على طريق استرضاء الموقف الأميركي للدفع به إلى الخيارات الصعبة مادام أنه يصب في خدمة المصالح الإسرائيلية. وأميركا لا تؤخذ بالمواقف الخلبية.
لا جدال بأن نجاحات سياسية وميدانية كثيرة حققها السوريون بقيادة الرئيس بشار الأسد وترسم بإيقاعها المتصاعد طريق المستقبل وفي مقدمتها. انتصارات الجيش العربي السوري في محاربة الإرهاب بدعم الحلفاء والأصدقاء. واتساع رقعة المصالحات الوطنية وانخراط السوريين الواسع في الانتخابات التشريعية، من حيث الترشح وخوض الانتخابات الدستورية في 13 نيسان القادم.
وهذه عوامل تبعث من دون شك الحقد والتخبط لدى اللاهثين وراء أحلام عبثية مريضة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن