ثقافة وفن

بين الغيرية والأنانية

| د. اسكندر لوقا

ثمة العديد من الأمراض التي أصابت المجتمعات في العصر الراهن ربما يأتي زمن ويكشف النقاب عن أسبابها ولكن ذلك لا يمنعنا من القول بأنها صارت داء ينتشر في معظم البلدان وبين أفرادها عموماً على مختلف أطيافهم وشرائح مجتمعاتهم. وقد ازدادت الانتهازية، وهي من أوجه هذه الأمراض السارية، ازدادت رسوخاً وخصوصاً في المجتمعات المتخلفة نسبيا أو كليا، وكذلك في البيئات التي يعتقد أفرادها أن الفرص حين تتاح لهم لاستغلالها، على الوجه الذي يخدم مصالحهم، لا ولن تتكرر في المستقبل.
من تداعيات انتشار هذا المفهوم بين الناس، انتشاره بالسرعة الكليّة في رحاب الأماكن التي يعيشون فيها، كما انتشار الأعشاب الضارة قرب النباتات المفيدة أو عند جذوع الأشجار في بداية تكونها فوق سطح الأرض.
في الوقت الراهن، اللافت أن صارت أنموذجا يؤمن به الذين تتفوق لديهم نزعة الأنانية على نزعة الغيرية، وبهذا يتعالون على سواهم ليقينهم بأنهم الأولى بالأخذ وعلى الآخرين أن يعطوا دون أن يملكوا حق الرفض أو حتى الاحتجاج. هنا يسقط مفهوم المنافسة الشريفة عند البعض من الناس تاركا مكانه لمفهوم انتهاز الفرص المتاحة لهم وخصوصاً في الأوقات التي يعاني منها مجتمعهم تداعيات ظروف فرضت عليه ولم تكن متوقعة، بحال من الأحوال، وذلك على غرار حرب تشن عليه أو حصار يطوقه، ولم يكن محسوبا من قبل، لاعتبارات خارج إرادة هذا المجتمع أو ذاك.
من هنا نلاحظ أنه كثيراً ما يخبو بريق المروءة والكرامة عند البعض ممن لا يؤمنون بالغيرية وتبعاتها الإيجابية في سياق التعامل مع الآخر، كما يخبو لديهم بريق المواطنة الشريفة، الصادقة، الشفافة، البعيدة عن تبعات الأنانية وتبعاتها السلبية في سياق التعامل مع هذا الآخر أو ذاك. وحينئذ يغدو الشعار لدى المصابين بنزعة الأنانية، ولا يقيمون حسابا لأيامهم الآتية سعيا وراء الربح، وبالتالي يكون سقوطهم في التجربة غير آبهين بما جاء في القول: ماذا يفيد الإنسان إذا ربح العالم وخسر نفسه؟
إن خسارة النفس لا يمكن أن تعوَّض كما هو الحال بالنسبة لخسارة المال. التجربة في الحياة أثبتت هذه الحقيقة. ودائما نجد الأنانية، وفي مقدمتها الانتهازية، وراء خسارة نفس وربح مال. وإن كان البعض ممن تغلبهم نزعة الأنانية يبررونها بشتى الحجج.
يقول الأديب الفرنسي مورس شابلالن «1882– 1930»: إن جميع البشر انتهازيون ولكن كل واحد لا يدري، أحياناً، أن يكون انتهازيا على نحو مناسب.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن