الأولى

السعودية والحسابات الساذجة

| بيروت – محمد عبيد 

على الرغم من المآزق الكثيرة التي وضع النظام السعودي نفسه فيها، يبدو أنه مازال يسعى للانتقال من جبهة إلى أخرى أملاً بتحقيق نصرٍ ما ولو وهمياً يعيده لاعباً مؤثراً في الساحة العربية والإقليمية.
فالنظام السعودي الذي اعتمد منذ تأسيسه أسلوب القوة الناعمة عبر دفع أنظمة وقوى سياسية ودينية متطرفة إلى خوض معاركه بدلاً منه ليتدخل لاحقاً كأحد عرّابي التسويات ضامناً لنفسه حصته ونفوذه فيها، اضطر مع بلوغ المفاوضات النووية الإيرانية-الغربية نهاياتها الإيجابية بالتزامن مع صمود الدولة في سورية، إلى انتهاج أسلوب جديد قائم على الخشونة الإجرامية في الموقع الذي كان يعتقد أنه الأسهل عملانياً لأنه الأقرب جغرافياً: اليمن.
اعتقد «المحافظون الجُدد» في العائلة المالكة السعودية أن السيطرة على اليمن وبالأخص منه ممر باب المندب الإستراتيجي كإضافة جيو-سياسية إلى مجلس التعاون الخليجي يمكن أن يسمح للرياض بالاستحواذ على إقليم بكامله ويوفر لها مقعداً فاعلاً على طاولة التسويات الدولية المفترضة في حال نضوجها. لكن المفاجآت الميدانية التي رسخها صمود الشعب اليمني وجيشه وقواه الشعبية الحية حوّلت الاعتقاد السعودي إلى معاناة عسكرية وسياسية حادة، والأهم أنها استنزفت مقدرات هذا النظام الاقتصادية والمالية كافة، والأكثر أهمية أنها أظهرت مدى هشاشة البنية القتالية للجيش السعودي ومرتزقته إضافة إلى التخبط القيادي الذي تعيشه هذه العائلة منذ سيطرة هؤلاء المحافظين على مفاصل قرارها.
في هذا الإطار، تؤكد مراجع دبلوماسية غربية أن القيادة السعودية فاتحت بعض رعاتها الدوليين برغبتها في إيجاد تسوية سياسية مقبولة للأزمة في اليمن تحفظ لها بعضاً من نفوذها المتبقي على الرغم من إشارتها إلى إمكانية التخلي عن دعمها للرئيس المنتهي الصلاحية والفاقد للشرعية الانتخابية عبد ربه منصور هادي كضحية أولى على مذبح التنازلات السعودية مقابل التوصل إلى إخراج سياسي لائق يحفظ ماء وجه وزير الدفاع محمد بن سلمان ويجنبه تحمل مسؤولية تداعيات إغراق بلاده وأهلها في هذا المستنقع الدموي الخطير.
لكن هذه المراجع ترى أن الرغبة السعودية المفاجئة التي يمكن تفسيرها وفق القراءة الواردة آنفاً، يمكن أيضاً قراءة ما بين سطورها التي تخفي نيات مبيتة نتيجة قيام النظام السعودي بمراجعة جديدة أفضت إلى معادلة مفادها أن إيقاف الحرب في اليمن والتفرغ لها في ما تسميه «الجبهة الشرقية» أي سورية سيوفر للرياض فرصة إقليمية سياسية وميدانية جديدة عبر بوابة التحالف مع تركيا يمكن أن تعيدها إلى ساحة الأقوياء في المنطقة وترمم التشوه السياسي والأخلاقي الذي أصاب وجهها نتيجة عدوانها الإجرامي على الشعب اليمني.
تبدو حسابات النظام السعودي الأحادية ساذجة، ذلك أنه لا يكفي لإنجاز أي تسوية رغبة أحد طرفيها وإن كان المعتدي بل يستلزم قبول الطرف الآخر بها والأهم بالتنازلات التي سيقدمها هذا المعتدي، والأعمق من ذلك كله تناسب التوقيت مع مواعيد الحلول والتسويات التي تحددها موازين قوى إقليمية ودولية صارت السعودية في آخر سُلَمِها، إضافة إلى المصلحة التي يقتضيها مبدأ الحفاظ على وحدة المسارات في جبهات محور المقاومة الذي يفترض عدم إراحة العدو أو على الأقل عدم تمكينه من نقل معاركه إلى المواقع التي تمكنه من تحسين شروط حضوره ونفوذه في المنطقة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن