قضايا وآراء

بازار تركي مع دعاة الديمقراطية وحقوق الإنسان!!

| د. بسام أبو عبد الله 

لم يُخفِ العديد من الصحف الأوروبية امتعاضها من الانبطاح الأوروبي أمام حكومة أردوغان للتخلص من قضية اللاجئين التي تكاد تسم الاتحاد الأوروبي وتفرط عقده نتيجة التناقضات الكبيرة داخله بين من يريد فتح الأبواب أمام اللاجئين مثل أنجيلا ميركل، ومن يرفض بالمطلق استقبال أحد –وخاصة من المسلمين- وهو ما يتركز في دول وسط، وشرق أوروبا..
الغارديان البريطانية وصفت تملق القادة الأوروبيين لأردوغان على أمل أن يوقف تدفق اللاجئين لليونان بأنه كان مثيراً للاشمئزاز.
ولكن بإمكان الغارديان أن تتحدث أيضاً عن أن منح وسام الشرف الفرنسي لولي عهد نظام آل سعود محمد بن نايف مثير للاشمئزاز أيضاً، وأن تكتب عن كذب، ونفاق الأوروبيين حينما يتحدثون عن الديمقراطية والحريات، وحقوق الإنسان في سورية، ويخضعون السوريين لبازار مهين مع النظام الفاشي في تركيا الذي يقمع الأتراك، وحرياتهم، وإعلامهم، ويتظاهر بالحرص على السوريين- وحياتهم ومستقبلهم… فهل هناك ما يدعو للاشمئزاز أكثر من ذلك- على رأي الغارديان البريطانية؟
البازار التركي- الأوروبي هو بازار أمر واقع فرضه أردوغان حينما سرب تصريحات للصحافة هدد فيها قادة الاتحاد الأوروبي أنه لن يوقف تدفق المهاجرين وبدلاً من ذلك سوف يوجههم نحو الاتحاد الأوروبي إذا لم تتم تلبية مطالب تركيا.. وهو الأمر الذي تمت تلبيته خلال زيارة ميركل إلى تركيا في 18/10/2015، والتوصل إلى نقاط أربع أعلنت آنذاك في مؤتمر صحفي مشترك وهي:
1- صندوق بـ3 مليارات يورو يقدم لتركيا من أجل دعم اللاجئين، ووقف تدفقهم.
2- منح المواطنين الأتراك حرية السفر- (فيزا) ضمن دول الشنغن، مع تطبيق أنقرة لاتفاقية إعادة قبول اللاجئين.
3- إعادة تفعيل موضوع عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي من خلال فتح فصول جديدة للتفاوض.
4- دعوة الحكومة التركية لحضور القمم الأوروبية باعتبارها بلداً مرشحاً للعضوية.
– لكن حكومة أردوغان عادت، وطورت البازار مع الأوروبيين خلال قمة 6-7/آذار/2016 في بروكسل، واقترحت عليهم: وقف تدفق اللاجئين عبر البلقان مقابل مليارات أكثر، ومكاسب سياسية تتمثل في (الفيزا للمواطنين الأتراك، وفتح ملفات تفاوض بشأن عضويتها في الاتحاد الأوروبي، ودعم أوروبي لإقامة منطقة آمنة في سورية)… وبموجب مشروع الاتفاق الجديد قبلت تركيا استعادة جميع اللاجئين الذين سيصلون للجزر اليونانية مع تحمل الأوروبيين تكاليف نقلهم- والمقصود هنا كل اللاجئين بلا استثناء- لكن قبل البدء بذلك لا بد من إتمام الصفقة خلال القمة الأوروبية 17-18/آذار القادم.
– المثير للاشمئزاز في هذا الاتفاق أن الأتراك سوف يستقبلون كل الموجودين بشكل غير شرعي في الجزر اليونانية (أي تصفير الجزر) ثم العمل وفق مبدأ –(واحد مقابل واحد) للاجئين السوريين- أي مقابل عدد السوريين الذين ستعيدهم تركيا، سيقوم الأوروبيون بإعادة توطين عدد مماثل من السوريين في معسكرات اللجوء التركي، ونقلهم إلى بلدان أوروبية.
إضافة لهذا المبدأ الرخيص، واللإنساني، فإن إغلاق طرق التهريب من تركيا سوف يعني أيضاً دعم أوروبا لتركيا في مطلبها إقامة منطقة آمنة، وهو مطلب لأول مرة يحصل على دعم أوروبي، بعد أن كان مرفوضاً في السابق.
إذاً النواح التركي- الأوروبي على سورية، والسوريين لا يعدو كونه رفعاً للسعر في بازار دعاة الحريات، وحقوق الإنسان، فالأوروبيون استقبلوا داود أوغلو بعد أن هاجم صحيفة بخراطيم المياه، والغاز المسيل للدموع، وهو من يقمع حرية الإعلام صباح- مساء، ويعرف الأوروبيون قبل غيرهم أن مافيا التهريب من تركيا تتم بإشراف حكومة أردوغان نفسها لأن من لديه القدرة على وقف تدفق اللاجئين يعرف تماماً، ويشرف تماماً على توجيه تدفقهم حيثما يريد، وبما يخدم مصالحه، كما أن من يتاجر بالنفط مع داعش، ويعرف كيف يسرق معامل السوريين ومحاصيلهم، وكيف يمول الإرهاب وجماعاته- لديه الخبرة الكافية في ابتزاز الأوروبيين لتعويض خساراته في الميدان السوري.
غموض الاتفاق التركي- الأوروبي جعل الأصوات تعلو من المنظمات الدولية إذ عبر رئيس المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة فيليبوغراندي عن قلقه العميق من هذا الاتفاق لأن إعادة اللاجئين لا يجوز أن تتم إلا إذا تم ضمان طلب اللجوء وفقاً للمعايير الدولية مع ضمان حق التعليم، والعمل، والصحة، والمساعدة الاجتماعية إذا كان ذلك ضرورياً، وأما المدير الإقليمي الأوروبي لمفوضية اللاجئين (فينسنت كوتشتيل) فقد اعتبر أن هذا الاتفاق سوف ينتهك حق اللاجئين في الحماية بموجب القوانين الأوروبية والدولية، مشككاً في الالتزام الأوروبي الذي وعد بإعادة توطين (20 ألف) لاجئ خلال السنتين الماضيتين على أساس طوعي، وما زالت الأرقام متواضعة… وإضافة لمفوضية اللاجئين، فقد عبرت اليونيسيف عن قلقها، ورفضها لإعادة الأطفال مع عائلاتهم، ومخاطر ذلك عليهم…
أما منظمة العفو الدولية فقد أدانت الاتفاق التركي- الأوروبي، واعتبرته (ضربة قاضية لحق طلب اللجوء)، ورأت في هذه الخطة بمثابة (موقف غير إنساني تجاه هذه الأزمة، وانتهاك لكرامة الناس)، وأشارت إلى أن فكرة الاتفاق القائمة على مقايضة لاجئين بلاجئين ليست- فقط (مهينة للكرامة البشرية بشكل خطر، لكنها أيضاً لا تقدم أي حل دائم للأزمة الإنسانية)…
ما الذي يمكن استخلاصه من هذا البازار التركي- الأوروبي بحق السوريين بشكل أساسي:
1- يحاول أردوغان استغلال أوروبا حتى آخر قطرة مالياً- وسياسياً، ويسعى لجر الناتو أكثر لمواجهة هذه المسألة، وبالتالي زيادة انخراطه ضد روسيا من خلال العودة للحديث عن المناطق الآمنة.
2- لا يبدو الأوروبيون في موقف قوي تجاه أردوغان فهم مضطرون لإيجاد حل سريع لقضية بدأت تهدد أمن الاتحاد الأوروبي، واستقراره، كما يظهر أن كل دولة أوروبية تريد الخلاص لوحدها بأي طريقة، وهو ما يكشف ثغرات كثيرة تهدد مستقبل هذا الاتحاد.
3- إن تكرار حديث الاتحاد الأوروبي عن الديمقراطية، والحريات، وحقوق الإنسان في بلداننا أصبحت مثيرة للاشمئزاز، ليس لأن هذه المسائل غير مهمة لنا بل لأن أولئك الذين ما زالوا يعيشون أوهام بناء الديمقراطية عبر التدخل الخارجي يكتشفون في كل يوم دناءة داعميهم، وبحثهم عن مصالحهم قبل أي شعارات، ونظريات هي للاستهلاك، ولإخفاء أهدافهم الحقيقية.
4- على السوريين قبل غيرهم أن يدركوا أن لا أحد يمكن أن يهتم بهم وبشؤونهم أكثر منهم، ومن إخوتهم في الوطن، ومن دولتهم، وجيشهم الباسل الذي يقدم التضحيات من أجل كنس الإرهاب، واقتلاعه وهو السبب الأساسي لمأساتهم التي سميت مأساة العصر.
5- إن مواجهة الإرهاب بجهد جماعي سوري هو البوابة لإعادة الأمن والاستقرار لبلدنا، وتأمين عودة السوريين من المنافي التي دفعهم إليها دعاة الحريات في أنقرة، إذ مولوا الإرهاب، ودعموه من جهة وأسسوا معسكرات اللجوء قبل بدء الأحداث في سورية، وعملوا على استثمار السوريين لمصالحهم الخاصة.
– إن الأوروبيين الذين يظهرون في هذه الصفقة وضاعتهم وإهانتهم للكرامة البشرية حسب منظمة العفو الدولية، لابد لهم قبل أن يتحفونا بالخطابات عن إنسانيتهم أن يعملوا على إعادة الأمن والاستقرار لسورية ويوقفوا دعمهم للإرهاب، ويرفعوا العقوبات الظالمة عن شعبها كما قال نائب رئيس البرلمان البلغاري، وبذلك فإنهم يخلصون أنفسهم، والسوريين من ابتزاز الفاشي رجب طيب أردوغان، وبازار حكومته العثمانية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن