اقتصاد

من منبر جمعية العلوم الاقتصادية … عربش: نجاح إعادة الإعمار مرتبط بالتمويل والنمو الداخلي وتعظيم رأس المال

| علي محمود سليمان

بين الاقتصادي الدكتور زياد عربش أن مكانة سورية في الإقليم مهمة جداً فهي نهاية العمق البحري وبداية عمق آسيا، وإن فكرة إعادة تموضع سورية تتم بالحصول على التمويل وإيجاد محركات للنمو الداخلي، وبتعظيم رأس المال المجالي لسورية.
كلام عربش جاء خلال الحلقة النقاشية التي أقامتها جمعية العلوم الاقتصادية تحت عنوان (مقاربة التنمية الإقليمية لإعادة الإعمار في سورية – شروط ومحاور النهوض). حيث أوضح أنه لا يمكن نجاح أي عملية إعمار دون تحديد مكانة سورية ضمن فضاء الإقليم، والاستفادة من موقعها الجيوسياسي الذي يجعلها في قلب أنظمة التبادل التجاري والنقل والتجارة الإقليمية والطاقة، لكي يتم تحقيق نجاحات تنموية تفرض تكاملاً وتشبيكاً مع دول المنطقة لاستغلال مواردها لصالح ولخدمة شعوبها لافتاً إلى أنه لتحديد النمو المؤدي إلى التنمية، يجب تحديد هوية الاقتصاد برؤية طويلة الأمد وبناء نموذج تنموي، لأن النمو لا يؤدي إلى تنمية إن كان ريعياً ولم تكن مصادره متنوعة ويضمن بعوائده الموزعة وبعدالة اندماج كل السوريين والمناطق لتولد مصادر متنامية من النمو، ومعاكسة الاتجاهات من مركز مستقطب وحيد إلى نشر التنمية المندمجة المتفاعلة مع بقية المناطق، أي من التركز القطبي إلى محاور تنموية وابتكار محاور أخرى وذلك لبناء نموذج جديد يعتمد إعادة توزيع الأثقال ويأخذ بالاعتبار، تغيراً ديمغرافياً بفعل نزوح خارجي وداخلي غيَر المعطيات كماً ونوعاً، وتكامل التنمية والتخطيط القطاعي والإقليمي، أي معالجة الاختلالات التنموية المتراكمة قبل الأزمة.
وللبدء بمرحلة النهوض والبناء انطلق عربش من أهمية معالجة الاختلالات التنموية ضمن منظور التنمية الإقليمية التصالحية وشموليتها بمثلثي الاستدامة، أي من الزاوية الجغرافية والقطاعية والزمانية، بالتلازم مع المثلث الآخر بأبعاده الثلاثة الاقتصادي والبيئي والاجتماعي، ذاكراً عدداً من محاور النهوض التنموي والبناء للأجيال القادمة، تتمثل في معامل الحرمان وهو معامل يعكس تباين واقع مؤشرات التنمية المناطقية قبل الأزمة أي البعد السابق هنا لتصحيح اختلالات التنمية بحسب المسوحات الميدانية والمؤشرات المتاحة لعام 2010 (من 100 نقطة يتم تثقيل المناطق)، والانطلاق نحو المصالحة الوطنية بأثر رجعي بحيث تحصل مثلاً القرى الأكثر فقراً على قيمة المعامل كاملةً (100 نقطة)، في حين لا تحصل منطقة فيها مؤشرات التنمية الأعلى على مستوى سورية على أية نقطة (أجرت هيئة التخطيط، والمكتب المركزي للإحصاء العديد من الدراسات والمسوحات منها ما يتعلق بالفقر أو بدخل ونفقات الأسر أو البطالة إلخ، حيث يمكن وضعها في خريطة تعكس مستويات التنمية المناطقية).
ويعكس معامل الضرر معايير التعويضات المادية والمعنوية لعائلات الشهداء والجرحى والمعاقين والمرضى الذين يعانون من الآثار النفسية، أي الأضرار الإنسانية الملموسة والمعنوية، وفاة، إصابات وإعاقات، وآثار نفسية حدثت نتيجة الأزمة وتقييم من قبل جهات طبية رسمية وأهلية (من 100 نقطة يتم تثقيل الضرر، فمن توفي وكان معيلاً لأطفال يتجاوز عددهم مثلاً 5 أولاد ولا يمتلك غير منزله مثلا تحوز عائلته على قيمة المعامل كاملةً). إن اعتماد معامل الضرر يعني أن سورية لكل السوريين وسيخفف من صعوبات التنفيذ المادي-التقني لعملية إعادة البناء، إضافة إلى معامل التهديم، أي الضرر المادي في العمران والبناء والممتلكات الخاصة والأملاك العامة والبنية التحتية، من التهديم الجزئي إلى الدمار الكلي وتقييم من جهات فنية رسمية وأهلية (من 100 نقطة يتم تثقيل التهديم).
وأخرها هو معامل التصحيح، المركب والمبتكر وهو معامل مركب للمعاملات الثلاثة أعلاه لغايات العدالة الزمنية والشاملة قطاعياً وجغرافياً وتبني مستقبل تنموي مستدام لكل السوريين، بحيث تجمع المعاملات الثلاثة أعلاه (وبتثقيل نوعي يعتمد توافقياً) ويتم جبر المجموع بتخفيضه بالعوائد التي ستحصل عليها المنطقة وقاطنوها من البرامج الفرعية لإعادة الإعمار وما يتم إنفاقه على البنى التحتية من قبل الغير بما فيه إنفاق الحكومة والذي يشكل عوائد خارجية وانتفاعاً إضافياً.
وفي مجال النقل البري بيّن عربش أن سورية تعتبر عضواً في منطقة الغافتا، ومنفذاً إستراتيجياً للعراق ولدول الخليج على المتوسط، ومن هنا تتبلور أهمية محوري الشمال والجنوب، وهنا يصبح السؤال مشروعاً حول غلبة فلسفة النمو على حساب التنمية، مع ملاحظة مفارقة أن 80% من السكان يتمركزون على محور حلب درعا، في حين تشكل المنطقة الشرقية 70% من مصادر الناتج، ولذلك يجب إعادة رسم الخريطة وإعادة توزيع الأحمال والأثقال، ويقترح هنا الطريق الشمالي الجنوبي والشرقي الغربي وامتداداتهما الإقليمية كمحاور للتنمية المتوازنة وليست طرقاً خدمية بل «كوريدورات تنموية» بحيث تستهدف فك الاختناقات ليس فقط الطرقية بل التنموية من خلال تفعيل مكانة سورية في الإقليم واندماج مناطقي فعال وتوليد مكامن جديدة للنمو، محور شمال جنوب مع دلتا التنمية الشمالية، ودلتا التنمية الجنوبية
وفي النقل الجوي يجب العمل على إنشاء مطارين جديدين وتوسيع المطارات الحالية لتستفيد سورية من مكانتها وتصبح منصات عبور بين القارات الثلاث، وبناء مرفأ متوسطي حيث إن سورية لم تستفد كما يفترض من إعمار العراق المحتاج لمنفذ بحري خاصة باتجاه المتوسط كمثال.
وفي الطاقة والبنية التحتية يجب بناء مصانع مكونات ومزارع لإنتاج الطاقة الكهروشمسية والكهروريحية، وشراكات إستراتيجية مع دول حتى من خارج المنطقة لبناء معامل ومصانع لتلبية إمدادات الطاقة الداخلية، وتأسيس الخطوط العابرة للنفط والغاز، كمحور العراق سورية، والغاز الإيراني، وإقامة منشآت نفطية بتمويل وتحالف مشترك، في شمال شرق سورية كمصفاة للنفط العراقي ليمد كلاً من العراق وجنوب تركيا والمنطقة الشرقية من سورية بالمشتقات ويصدر الفائض، وإقامة مصفاة عربية على المتوسط.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن