الأولى

روسيا والنصر

| تيري ميسان 

إعلان الرئيس بوتين عن «سحب الكتلة الرئيسية من قواته العسكرية» أثار حملة تضليل إعلامي جديدة.
وفقاً للإعلام الغربي والخليجي، فإن الرئيس بوتين «مستاء» من «تعنّت» الرئيس بشار الأسد، وأنه «ربما قرر الخروج من سورية، لوضع الرئيس الأسد أمام مسؤولياته».
نفس المعلقين أضافوا بالقول إنه حين «لا يبقى له أي حليف، فإنه سيضطر إلى تقديم تنازلات في جنيف، والقبول بمغادرة البلاد». وبهذا، تكون موسكو قد قدمت هدية لطيفة لواشنطن بعد خمس سنوات من الحرب «الأهلية» غير أن كل هذا، مجرد هراء.
أولاً، لأن التدخل الروسي قد تم التفاوض عليه عام 2012، لكنه لم ينضج إلا بعد ثلاث سنوات، لأن موسكو كانت راغبة باستكمال كل عمليات تطوير أسلحتها الجديدة، قبل نشرها.
بدأت القوات الروسية بالوصول إلى سورية منذ شهر تموز 2015. كنا الأوائل في نشر الخبر الذي تناقلته وسائل الإعلام الإسرائيلية على الفور. كان متفقاً أن تبدأ حملة القصف الجوي عقب اجتماع مجلس الأمن، الذي كان مفترضاً أن ينعقد على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، وأن تستمر هذه العمليات حتى حلول عيد ميلاد الأرثوذكس.
ثانياً، بالنظر للصعوبات التي واجهت واشنطن في السيطرة على حلفائها، فقد تم تمديد حملة القصف حتى استئناف المفاوضات في جنيف، التي أقرت أخيراً في 15 آذار الجاري. ومن الطبيعي ألا تكون روسيا قد اختارت هذا التاريخ، تماشياً مع ذكرى مرور خمس سنوات على «ثورة» مزيفة.
كل ما جرى حتى الآن، يعود فعلياً إلى 12 كانون الأول 2003، مع إعلان الرئيس جورج بوش الابن، الحرب على سورية، حين وقع على مرسوم «قانون محاسبة سورية»، الذي تأجل من سنة إلى أخرى (قمة جامعة الدول العربية عام 2004، اغتيال رفيق الحريري عام 2005، اجتياح لبنان عام 2006، إنشاء جبهة الخلاص الوطني عام 2007، الخ)، وصولاً إلى إنشاء مدخل إلى الأراضي السورية، المستمر منذ عام 2011، حتى الآن.
ثالثاً، بدأت روسيا بسحب قواتها الرئيسية قبل بضعة أيام. هناك خطط ملاحة لطائرات الشحن المعَدة لنقل الرجال والمعدات، كانت تسلم مسبقاً بانتظام للسلطات السورية.
لم يكن تاريخ بدء الانسحاب مفاجئاً لأحد. وتأكيداً على ذلك، فقد أُبلغ رئيس هيئة الأركان الأردنية بهذا الأمر، العماد مشعل الزبن، في شهر كانون الثاني الماضي في موسكو من وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، والوزير السوري العماد فهد جاسم الفريج.
من السخافة بمكان الربط بين قرار الانسحاب، وخلافات مزعومة حصلت في الأيام الأخيرة.
رابعاً، على الصعيد العسكري، انسحاب الجيش الروسي من ساحة المعركة، لا يعني انسحابه من مقر القيادة العامة.
معدات الدفاع الجوي، وصواريخ إس-400، وبانتسير- إس2، باقية في أماكنها، لن تُسحب. وكذلك توريد الأسلحة، الذخائر، علاوة على الوصول باستمرار إلى المعلومات الاستخبارية من الأقمار الصناعية الروسية.
لقد جددت روسيا معدات الجيش العربي السوري، وأنجزت تدريب مقاتليه على هذه المعدات الحديثة، التي كانت موضوعة على قائمة الحظر، لعقد سابق من الزمن.
الآن، ليس بوسع هذه الأسلحة الحديثة أن تحمي المدنيين من هجمات الجهاديين فحسب، بل بوسع الجيش العربي السوري أن يستعيد الأراضي التي احتلها الغزاة، وهذا ما يقوم به حالياً.
لن تنسحب روسيا من الشرق الأوسط، في وقت أصبحت فيه بعض دول المنطقة على شفا حروب أهلية. لكنها تترك للسوريين مجد انتصارهم الذي أصبح وشيكاً.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن