قضايا وآراء

شرعنة أردوغانية لداعش عبر بوابة النفط

كنان محمد صقر:

يبدو أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يحاول اليوم أن يرسي فصلاً جديداً من فصول التأزيم التركي للأوضاع في المنطقة عموماً وسورية خصوصاً، قد يكون عنوانه محاولة «شرعنة» وجود تنظيم داعش في المنطقة والتعامل معه من منطق «الدولة» لا التنظيم الإرهابي المغتصب للأرض ومن عليها، ليكشف أردوغان بذلك وبما لا يقبل الشك حقيقة الدور المنوط بهذا التنظيم، ولينصّب نفسه «راعياً» رسمياً لوجوده في المنطقة.
فبالأمس جاهر أردوغان في تصريح يحمل في طياته من المدلولات والرسائل في لغة السياسة أكثر بكثير مما تحمله كلماته وجمله البسيطة، معلناً أن ما يزعجه بداعش أنه «يثير الفوضى ولا يعرف المنافسة في سوق النفط».
إذاً بات داعش من وجهة نظر أردوغان «منافساً» يحمل صفات «الدولة» المؤثرة بسوق النفط، وربما على التنظيم «الاستماع» للعتب الأردوغاني والتنسيق مع راعيه في إسطنبول لعدم «إثارة الفوضى» في هذا السوق والالتزام بقواعد «المنافسة». ولعل العتب يكون متبادلاً في المستقبل ليطلب التنظيم من أردوغان التوسط لإدخاله «أوبك» واقتطاعه لحصة من الإنتاج النفطي العالمي.
وبحسب تقرير نشرته وكالة أنباء الأناضول التركية، شبه الرسمية، قال أردوغان: «لا يعرف التنظيم المنافسة (في سوق النفط)، ولهذا فهو يثير الفوضى، وإلى جانب ذلك فهو يحصل على الأسلحة من الإيرادات التي يكسبها من النفط، وبعدها يواصل قتل الناس بلا رحمة»، متناسياً بذلك أن الأراضي والمعابر التركية هي من تشكل البوابة للتنظيم الإرهابي لتهريب النفط السوري والعراقي المسروق، واستبدالها بالأسلحة وآلاف الإرهابيين، عبر دعم وتنسيق منقطع النظير من استخبارات حكومة العدالة والتنمية التركية.
وفي ثاني مدلولات رسائل العثمانية الأردوغانية، يشير الرئيس التركي بتصريحه المبطن إلى حليفه الأميركي مذكراً إياه بأن أنقرة يجب أن تكون جزءاً من «تقاسم كعكة المنطقة»، معلناً أن «تهديد داعش أثبت للعالم بأسره أن مشاكل الشرق الأوسط ليست إقليمية وإنما عالمية.. والدرس الأكبر الذي أعطاه تهديد داعش للعالم هو أن الأزمة في سورية، وبشكل عام في الشرق الأوسط، ليست محلية أو إقليمية، وإنما عالمية».
وقبل عشرة أيام مارس النظام التركي «الحرد» السياسي معلناً تأجيلاً جديداً للبرنامج المشترك مع أميركا الهادف لتدريب مقاتلين ممن تسميهم واشنطن «المعارضة المعتدلة»، واعتبر أن البرنامج لن يحقق أهدافه ما لم يتم الإعلان عن منطقة «حظر جوي».
ورغم معارضة واشنطن مراراً خلال عمر الأزمة السورية هذه الخطوة وإشارتها لفاتورتها الباهظة في السيناريوهات المحتملة لآلية رد الدولة السورية والتعاطي الإقليمي وحتى الدولي في قمة النظام العالمي مع تهور كهذا، لكن أنقرة عادت لتلح على طلبها فيما يبدو «إحراجاً» لواشنطن، معلنةً الإثنين على لسان وزير خارجيتها مولود جاويش أوغلو عن اتفاق «مبدئي» مع واشنطن لتقديم دعم جوي لـ«المعتدلة»، دون أن يقدم تفاصيل عما يعنيه «بالمبدئي» أو نوع القوة الجوية التي ستقدم أو من الذي سيقدمها.
وكون واشنطن لم ترد حتى الآن على هذا الإعلان، يبدو أن أردوغان يضع في حساباته أن تكون الإدارة الأميركية قد سئمت الرد على الإلحاح والتهور التركي، لذلك وجد لزاماً عليه أن يذكر البيت الأبيض بأنه «من الواجب اتخاذ مبادرة في مواجهة هذه الأزمات، ليس من أجل أمن حدودنا أو أمن الطاقة فحسب، بل من أجل الرخاء والأمان والتضامن العالمي.. من أجل دفع المأساة وأصوات الصرخات ووقف شلال الدم المتدفق في المنطقة».
وبذلك ربما يعتقد أردوغان وفق تحليله السياسي أنه بات يمتلك ورقة بديلة عن «منطقة الحظر الجوي» يستطيع «مساومة» واشنطن التي أغفلته عن قمة كامب ديفيد الأخيرة واكتفت بحلفائها في الخليج ورقة عنوانها «رعاية تصدير داعش للنفط السوري العراقي المسروق».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن