قضايا وآراء

محاربة الإرهاب أسيرة السياسات والمصالح الخاصة

صياح عزام:

 

في السنوات العشر الأخيرة صدرت مئات الكتب التي تحلّل وتناقش ظاهرة الإرهاب المتزايد في العالم، وصنّف العديد من المراكز المتخصصة نحو 150 كتاباً منها على رأس قائمة أفضل الكتب التي اعتُمدت على معلومات موثَّقة لهذه الظاهرة باعتبارها أصبحت تُشكّل تهديداً للمجتمع الدولي بأسره.
كما شاركت مراكز أبحاث سياسية ومعاهد أكاديمية في تخصيص دراسات بعينها لمشكلة الإرهاب من بينها: مؤسسة «راند» الأميركية، وإدارة الأبحاث الفيدرالية بمكتبة الكونغرس، وجامعة برنستون ومعهد «بلفر» للشؤون العلمية والدولية في جامعة «هارفرد» وغيرها من المؤسسات العلمية في أوروبا وأستراليا، وتبيّن أن معظم هذه الدراسات، رغم تنوع المسائل والأبعاد التي ركزت عليها في مسألة الإرهاب، اتفقت على نقطتين رئيسيتين هما:
– غياب التعريف الدولي الموحَّد للإرهاب.
– ثم النقطة الأهم وهي التأكيد أن المنظمات الإرهابية على اختلاف مُسمّياتها ترتبط مع بعضها في إطار شبكة دولية واحدة، حتى وإن أنكرت ذلك.
بالنسبة للنقطة الأولى «عدم وجود تعريف دولي مُوحد للإرهاب، هناك تعريف للاتحاد الأوروبي أعلنه عام 2002، ينص على أن الإرهاب يتضمن إحداث تدمير واسع للحكومة ومؤسساتها، وللمنشآت العامة والممتلكات الخاصة ما يُسفر عن خسائر اقتصادية، أو حتى التهديد بارتكاب مثل هذه الأفعال».
أما (التعريف الأميركي) للإرهاب فيقول: إن الإرهاب هو الاستخدام المُتعمَّد للعنف، أو التهديد باستخدامه لتحقيق أهداف سياسية أو دينية أو إيديولوجية من خلال التخويف والإكراه أو إثارة الفزع.
وجاء تعريف (الأمم المتحدة) أكثر عمومية وإن شمل بعض أفكار تتفق مع هذا التعريف أو ذاك، وظلت هذه التعريفات على حالها رغم ما حدث من تطور في عمل المنظمات الإرهابية وطرق نشاطها والتي وصلت إلى مدى خطير جداً من التدمير عبر الحدود والقتل وسفك الدماء والعِداء للإنسانية عامة واستخدام الإنترنت في التأثير على المواطنين وتحويلهم إلى أعداء لبلادهم، بمعنى آخر، لم يواكب هذا التعريف التطور في نوعية الأعمال الإرهابية، أو على الأقل لم تتوصل الجهات الدولية المعنيّة إلى تعريف موحد للإرهاب يجابه به المجتمع الدولي هذا الخطر المُحدِق بالجميع في الشرق والغرب، إذ إن وجود تعريف موحد للإرهاب، يؤثر في القدرات الدولية للتصدي لهذه المشكلة، وهذا الأمر أكده أكثر من مركز دراسات أوروبي، بعد أن لوحظ أن تعريف الإرهاب على مستوى الدول لا يزال مراوغاً، ويخضع لمعايير مختلفة تناسب التوجّهات السياسية لكل دولة على النحو الذي نلاحظه من خلال المعايير المزدوجة التي تتعامل بها واشنطن وعواصم غربية مع ظاهرة الإرهاب، حتى وصل الأمر إلى درجة اعتبار أن هناك إرهاباً معتدلاً وإرهاباً غير معتدل، إلى جانب ذلك، هناك تعاطف لدى الغرب مع جماعات معروفة تمارس العمل الإرهابي، كما أن عدة دول غربية لم تدرج منظمات تمارس الإرهاب ضمن قوائمها الرسمية التي تحدد ما تعتبره منظمات إرهابية، أو أن هذه القوائم لا تضم جماعات وأفراداً مرتبطين بهذه المنظمات ويتسترون وراء لافتات جماعات خيرية أو مراكز حقوق الإنسان، أما بالنسبة للنقطة الثانية وهي أن الدراسات المعدة حول ظاهرة الإرهاب أكدت أن المنظمات الإرهابية التي ازداد عددها في الشرق الأوسط تنضوي /جميعها/ ومن دون أي استثناء تحت لواء /شبكة دولية واحدة/، تتشارك المعلومات وتنسق فيما بينها لارتكاب الجرائم هنا وهناك في إطار هذه الشبكة الواحدة، هذا علاوة على أنها جميعاً تتحرك تحت إطار فكري واحد، وهو ما لوحظ –على سبيل المثال- في تسجيل /الفيديو/ للإرهابي من أصل إفريقي الذي قتلته الشرطة في باريس، والذي هربت زوجته إلى سورية لتنضم إلى /داعش/ الإرهابية، فهو ظهر في الفيديو يقرأ بلغة عربية ركيكة بالقسم نفسه الذي يؤديه عضو الإخوان المسلمين في مصر عند انضمامه إلى تنظيم الجماعة، وهو ما لاحظه الدارسون في الغرب، إلا أنه لم يكن له أي صدى من جانب الحكومات الغربية.
باختصار، هناك إدراك واسع في الغرب على مستوى الشعوب، لكن التراخي الرسمي الغربي عن صياغة تعريف دولي موحد للإرهاب والتعامل معه بشكل مزاجي ووفقاً لمصالح اقتصادية وسياسية ضيقة، لا يمثل بحال من الأحوال حماية للأمن القومي في أميركا أو في الدول الأوروبية، وأيضاً في الدول التي يهددها الإرهاب في الشرق الأوسط وغيره، متجاهلة هذه الدول التي تتعامل مع الإرهاب بمعايير مزدوجة أن هذا الإرهاب سيصبح في عقر دارها إن آجلاً أم عاجلاً.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن