قضايا وآراء

جنيف في العمق

| مازن بلال 

معركة «استبعاد» المتفاوضين لا تزال مستمرة في جولات جنيف لحل الأزمة السورية، فإيجاد طاولة واحدة للمعارضة هي المهمة الأكثر صعوبة للمبعوث الدولي؛ حيث تبدو عملية «الاستبعاد» تقليصاً للأدوار الإقليمية أكثر من كونها شكلاً تنظيمياً لعملية التفاوض، ورغم أن عدد الوفود زاد لكن طبيعة التعامل الأممي مع مقترحاتهم يشكل الحل التقني في «الاستبعاد» الذي يطول المقترحات وليس الأشخاص؛ ففي النقاط التي قدمها دي ميستورا في نهاية التفاوض هامش ضيق للبدء بالبحث في «المرحلة الانتقالية» كما يسميها المبعوث الأممي.
عملياً فإن دي ميستورا طرح مجموعة من الأسئلة التقنية، ورسم مسار «حل الأزمة» وليس «التفاوض» على جميع الوفود؛ منتظراً الغطاء السياسي الدولي من خلال لقاء وزيري خارجيتي روسيا والولايات المتحدة، وهو في نفس الوقت عمم نقاطه الـ«12» ليس لتقريب وجهات النظر، بل لوضع الوفود ضمن إطار «آلية» عمل الأمم المتحدة في حل مجمل الأزمات وليس حصر الأزمة السورية، فرغم تعقيدات الحرب لكن النموذج الدولي يستند دائما لآلية تقنية تتحول غالباً إلى «توطين الأزمة»، ووضعها تحت وصاية الفرق التقنية للأمم المتحدة، وفي هذا الإطار نستطيع ملاحظة بعض النقاط بشأن الجولة الأخيرة في جنيف:
– بغض النظر عن المواقف السياسية فإن الأمم المتحدة لا تنطلق من المعايير الداخلية للدول، أو حتى من تصورات الأطراف المتنازعة، فهناك شكل تقني في «إدارة التفاوض» و«حل الأزمات» ومسائل «العدالة الانتقالية»؛ هي أشبه بنموذج معتمد يُسقط من اعتباره المواقف السياسية وينطلق لتنفيذ أجندة معتمدة دولياً وتحمل معايير الأمم المتحدة حصراً.
– في الموضوع السوري فإن «الاستثناء» بشأن نموذج الأمم المتحدة تطرحه موسكو، فهي تحاول سحب العملية السياسية باتجاه «محاربة داعش»؛ فتأخذ بالحسبان مخاطر إضافية تدفع للخروج عن النموذج الدولي، وتتيح للعملية السياسية مرونة إضافية، حيث تبدو خطواتها في المساعدة على تشكيل وفد إضافي محاولة نوعية تضغط على دي ميستورا للخروج ولو قليلاً عن المعايير الدولية في فض النزاعات.
– تبدو الولايات المتحدة أبعد عن إدارة التفاوض، فهي تكتفي بتوجيه المسارات ما أدى إلى تصلب في مواضيع محددة، مثل موضوع الرئاسة، في حين اتجهت مواقف وفد الرياض وفي الأوراق المقدمة لـ«دي ميستورا» نحو ليونة في مسألة التفاوض، ولا تعني هذه الليونة سوى محاولة لكسب الأوراق والظهور ضمن موقع قوي بعد أن فقد هذا الوفد الكثير من الدعم الذي كانت تقدمه أوروبا والولايات المتحدة وأصبح يستند إلى الرياض وأنقرة فقط.
– الغائب عن الجولة هم السوريون الأكراد، وهم أكثر من غائبين عن العملية التفاوضية لأنهم يحاولون خط مسار ضاغط على الأطراف الإقليمية، ومن غير المتوقع أن يدخلوا بنفس القوة التي ظهروا بها سابقاً وخصوصاً خلال معارك عين العرب « كوباني»، لأنهم أصبحوا ضمن نقاط التوازن الإقليمي بعد أن طرحوا مسألة الحكم الذاتي خلال انعقاد المفاوضات في جنيف.
المفاوضات القادمة لن تكون حالة الاختبار، فهناك استحقاق سيدخل حيز التنفيذ ابتداءً من نيسان، فالأزمة السورية يمكن أن تشكل نموذجها الجديد داخل الأمم المتحدة، وترسم ملامح مختلفة داخل المنطقة كلها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن