قضايا وآراء

هل صمت دي ميستورا.. لحيادية أم لقطب مخفيه..!؟

| عبد السلام حجاب

ظل وفد الجمهورية العربية السورية برئاسة الدكتور الجعفري إلى حوار سوري سوري في جنيف3. صابراً. حتى نهاية الجولة فقد واجه بالحكمة محاولات اللعب على المفردات والمصطلحات وتمسك بقرارات مجلس الأمن الدولي وبياني فيينا وميونيخ في مواجهة العبث بهما وإخضاعهما لشروط وأجندات محور الإرهاب السعودي التركي القطري ما دام اللعب على الشكل يصب في خدمة المصالح الأميركية والإسرائيلية.
ولا شك بأنه حتى الصمت الذي يتلطى خلفه المبعوث الدولي دي ميستورا، الميسّر لأعمال جنيف3 يصبح خطيراً وتداعياته كارثية في لحظة ما. عندما يصمت على الفاجر وهو يتطاول على قرارات دولية المنوط به تطبيقها ما دامت عينه على جائزة نوبل. فيصبح جنيف3 رهين الانتظار والوقت المهدور بين حيادية سلبية وقطب مخفيه تكشّفت عوراتها وانفضحت مراميها؟
فنسأل. كما أي مراقب. ألا تنتفي الحيادية وتتحول إلى مفارقة مضللة عندما يصمت المبعوث الدولي دي ميستورا وطاقمه الأممي حيال ادعاءات معارضة الرياض، تمثيل المعارضة السورية في الداخل والخارج وإقصاء المعارضات الوطنية. إلا إذا كان يعتقد في داخله أن الإرهاب الذي يمثلونه في داخل سورية من قتل المدنيين وقصف السفارات مسوغ لهؤلاء للجلوس إلى طاولة حوار السوريين في جنيف3. ما يشكل خروجاً عن القرار الدولي 2254 وتجاهلاً للقرار الدولي 2253 وتمرداً على القرار الأخير 2268 الذي شرع الاتفاق الروسي الأميركي لوقف الأعمال القتالية في سورية وبالمحصلة فإن الصمت حيال ذلك كله لن يقود إلى جائزة نوبل!؟
وأما البحث في القطب المخفيه فإنه يضع المراقب أمام استنتاجات مفتوحة من بينها:
1- ألا يشير هذا السلوك إلى أن دي ميستورا يبحث في دفاتر قديمة دفنتها أحداث وتطورات ومتغيرات، عن قراءة جديدة للقرارات الدولية ومرجعية فيينا وميونيخ؟
2- هل يسعى دي ميستورا إلى تمرير مقاعد للإرهابيين على طاولة جنيف3 تضع الإرهاب المسيس في موقع من يفرض الشروط والأجندات لتنفيذ مصالح وأحقاد مشغلي هؤلاء الإرهابيين مثل السعودي والتركي والقطري وهو ما رفضه بشدة رئيس وفد الجمهورية العربية السورية بقوله لا يشرفنا الجلوس مع إرهابي في محادثات مباشرة؟
3- ثم لماذا دعوة وفود من المعارضة الوطنية من الداخل السوري؟ هل لتغطية الشكل على حساب الجوهر، وهما متلازمان متكاملان لإنجاح جنيف3 أم إن له في هدر الوقت مصلحة لإنعاش خطط وأجندات مثل التقسيم والفدرلة وإن كان قد نفى ذلك بالقول لكن ليس دحضها عملياً رغم ما يمتلكه من وسائل داعمة دبلوماسية وسياسية ليس آخرها قرارات مجلس الأمن الدولي والتفاهم الروسي والأميركي؟ وقد أكد مصدر في الخارجية السورية أن المهمة الأساسية أمام الشعب في سورية الآن مكافحة الإرهاب وأي ابتعاد عن هذا الهدف سيعتبر دعماً للإرهاب ولكل من يريد إضعاف سورية، وأن طرح موضوع الاتحاد أو الفيدرالية سيشكل مساساً بوحدة الأراضي السورية ما يتناقض مع الدستور والمفاهيم الوطنية والقرارات الدولية.
كما أعلن المتحدث باسم الرئاسة الروسية ديمتري بيسكوف أن الشعب السوري وحده صاحب القرار في مسائل نظام الحكم وقال مارك تونر المتحدث باسم الخارجية الأميركية لن نعترف بأي منطقة شبه مستقلة أو حكم ذاتي في سورية؟
4- ولعل القطبة المخفية الأهم، مردها للفترة المتبقية للانتخابات الرئاسية الأميركية وما ستسفر عنه من نتائج تصب في مصلحة أحد الطرفين المتنافسين الديمقراطي أو الجمهوري وحاجة هذه الفترة للإبقاء على «سيف ديموقليس» معلقاً خدمة لأجندة الإرهاب المبرمج فوق محادثات جنيف3 لحل الأزمة في سورية.
حيث يظل المبعوث الدولي دي ميستورا في موقع حارس هذا السيف بما يعنيه من خطر دائم ومهدد، ليس للإرهاب الذي يتكفل الجيش العربي السوري بعملية القضاء عليه بدعم روسي مباشر وغير مباشر ومساندة الحلفاء والأصدقاء، بل لتعطيل أو تفجير العملية السياسية في جنيف3 تبعاً لمواعيد يحددها دي ميستورا وما يرافقها من آمال متفائلة أو متشائمة لن يكون الصبر حيالها من دون مواعيد أو حدود.
وليس غريباً أن مباحثات جنيف 3 التي أعلن دي ميستورا عن بدء مرحلتها القادمة في 9 نيسان، ما تزال تصطدم بالشكليات التي يصر وفد الجمهورية العربية السورية على إنهائها لإطلاق المحادثات والانتقال إلى الجوهر بعد جلسات من المحادثات مع دي ميستورا العاجز عن تسمية الوفود المعارضة التي ستشارك في المحادثات السورية السورية وفقاً لقرار مجلس الأمن الدولي 2254، والباحث عن مخارج ترضي طرفاً أو جهة تصر على وضع لائحة شروط من خارج السياق، ولقد نصت ورقة عمل وفد الحكومة السورية على أولوية محاربة الإرهاب وإلزام الجميع ببيان فيينا لمباحثات بين السوريين من دون شروط مسبقة والحفاظ على وحدة وسيادة سورية ومنع تدفق الإرهابيين من تركيا والأردن تنفيذاً للقرار الدولي 2253 وهي عناصر أساسية تفتح الباب على حوار جدي بين السوريين بقيادة سورية من دون تدخل خارجي وشروط مسبقة.
بلا شك، فإن عدم تقديم الميسر دي ميستورا إجابات عن ورقة العمل السورية سوف ينعكس تأخيراً لحوار سوري سوري، واحتمال بحسب مراقبين غربيين أن يجعل منه طرفاً وليس ميسراً بما يفتح مساحة للتفاؤل والتشاؤم ولاشك أن مباحثات الوزير كيري مع القيادة الروسية في موسكو وما أسفرت عنه من نتائج قد تتيح لدي ميستورا إمكانية قراءة ما هو خارج تطبيق القرارات الدولية وآخرها القرار 2298 وإلزام الجميع بتنفيذها ليترك للمراهنين والمتضررين في جنيف3 فرصة ملء الوقت الضائع بأوراق استعراضية تراوح بين الاجتهادات والتفسيرات لحساب خريطة لمصالحهم السياسية وأدواتها الإرهابية وهي خريطة وقفت لها بالمرصاد وما تزال إرادة السوريين بقيادة الرئيس بشار الأسد سواء فيما يتعلق بتصاعد المصلحة الوطنية واتساع رقعة انتشارها أو بالانتصارات العسكرية التي يحققها الجيش العربي السوري في محاربة الإرهاب بدعم منسق ومتعدد الأشكال تقدمه روسيا الصديقة (وآخرها النصر المدوّي في تدمر) ثم لن تكون آخرها الانتخابات التشريعية في الثالث عشر من نيسان القادم التي تؤكد حق السوريين في تعزيز تجربتهم الديمقراطية إن في بناء أسس المجتمع الديمقراطي العلماني التعددي الذي قدموا التضحيات وأشكال الصمود لإنجاحه، وإن لجهة تأكيد أن أياً من مخرجات حوار جنيف ستكون خاضعة لقرار السوريين في استفتاء شعبي، وعدا ذلك من أوهام يرسم لها البعض في مخيلته أو على أوراق مشبوهة فإن السوريين جيشاً وشعباً قادرون على إسقاطها وإن غداً لناظره قريب.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن