قضايا وآراء

تدمر كمؤشر على ربيع حقيقي

| عبد المنعم علي عيسى

لربما يشكل الاختراق الحاصل في موسكو في أعقاب زيارة وزير الخارجية الأمريكي لها ولقائه نظيره- والزعيم الروسي في 25/3/2016 والذي رصده العديد من التقارير كما يمكن قراءته بين التصريحات التي انطلقت كسيل جارف دلالة على زخم ذلك الاختراق وأهميته.
جرى ذلك الاختراق على الجبهة الدولية بالتزامن مع حدوث اختراق على الجبهة الداخلية وهو لا يقل حساسية أو أهمية من الاختراق السابق فقد أعلن الجيش السوري بدءاً من 23/3/2016 وصولاً إلى السيطرة التامة في 26/3/2016 عن استعادته لمدينة تدمر في خطوة تحتم على الكثير من الفاعلين في الأزمة السورية التكيف معها (وليس العكس) بما يتناسب مع الثقل الذي أحدثته تلك الخطورة.
بالتأكيد تمثل استعادة تدمر محطة بالغة الأهمية وهي تحمل الكثير من الدلالات السياسية والعسكرية على حدّ سواء إلا أن جميعها من شأنها أن تفتح آفاقاً جديدة- وخيارات جديدة- أمام القيادة السورية بحيث إن جنيف 3 لن يكون أكثر من واحدة منها بمعنى أن خيار جنيف قد يصبح أحد الخيارات فقط على حين أن خيار «تدمر» يصبح الخيار الأهم وهو ما كان الرئيس الأسد قد أشار إليه في مقابلته الأخيرة عندما تحدث عن خيار استعادة الدولة لكامل الجغرافيا السورية والذي يعتبر حقاً من حقوقها التي تضمنها المواثيق والأعراف الدولية.
في أعقاب التطورات العسكرية في الميدان السوري منذ مطلع العام 2015 حتى نهاية أيلول من العام نفسه والتي أدت إلى سيطرة فصائل المعارضة السورية بدعم وإسناد تركي سعودي مباشر على بعض المناطق، الأمر الذي دعا الجيش السوري آنذاك إلى الانكفاء لتحصين مواقع إستراتيجية بالغة الأهمية بما فيها الثقل السكاني الكبير الذي تحويه مناطق سيطرة الحكومة السورية، آنذاك روَّج العديد من المحللين أو الخبراء الغربيين والخليجيين لفكرة أن النظام السوري الآن قد بات معنياً بالدفاع فقط عن «سورية المفيدة» التي فضّل أولئك المنظرون خريطتها بدءاً من دمشق في الجنوب مروراً بحمص وحماة في الوسط وصولاً إلى الساحل السوري في الشمال والشمال الغربي من البلاد.
وهي الجغرافيا التي تضم حوالي 70% من الشعب السوري الموجود على الأرض السورية (تقرير لروسيا اليوم كانون الأول 2015).
بغض النظر عن صحة- أو عدم صحة- هذه المقاربة وهي بالتأكيد بعيدة كل البعد عن السياسات التي تنتهجها القيادة السورية وإلا فماذا تفعل وحدات الجيش السوري بعيداً في دير الزور أو في حلب أو الحسكة، بغض النظر عن كل ذلك فإن استعادة تدمر يجب أن تشكل للنظرية السابقة إشكالية كبيرة أو مؤشراً مهماً يفترض فيه الذهاب نحو فرضيات أخرى، فتدمر جغرافياً تقع خارج «سورية المفيدة» وجميع المؤشرات تقول إنها لن تكون أكثر من انطلاقة صاعقة استطاع الجيش السوري فيها استرجاع (30) ألف كم2 في أقل من شهر واحد وهي ثلث المساحة التي يسيطر عليها داعش في سورية كما تشير تقارير البنتاغون الأمريكي (تقرير صادر في 3 آب 2015).
تتأتى خصوصية تلك العملية (استعادة تدمر) من أمرين اثنين مهمين:
الأول: إنها تأتي مباشرة ما بعد الإعلان الروسي عن قرار لانسحاب جزئي للقوات الروسية من سورية .
الثاني: إنها عملت على ترجيح القناعات الروسية في مقابل القناعات الأمريكية فقد استطاعت الديبلوماسية الروسية إقناع واشنطن بأن كليهما اليوم أحوج ما يكون إلى الجيش السوري الذي يؤكد يوماً بعد يوم أنه القوة الوحيدة القادرة على هزيمة داعش وجبهة النصرة.
عسكرياً فإن السيطرة على تدمر تفتح أبواباً وأبواباً أمام اختراقات عديدة إلا أن العديد من المؤشرات تدل على أن الخطوة المقبلة للجيش ستكون في دير الزور حيث تشير التقارير الميدانية من هناك إلى حالة استعدادات قصوى لوحدات الجيش تتخذ طابعاً هجومياً استعداداً لساعة الصفر التي ستكون لحظة وصول طلائع الجيش القادمة من تدمر (تقرير ميداني لقناة العالم 26/3/2016).
في مثل هذه الأيام من العام 2011 أي قبل خمس سنوات كان الغرب والخليج يهللان لوصول «الربيع العربي» إلى القلب السوري والذي خلف دماراً ودماء كافيين لنسف ذلك التوصيف، واليوم ها هو الجيش السوري يعلن عبر استعادته لتدمر عن انطلاقة ربيعة العسكرية الحقيقي محيلاً تدمر إلى نقطة انطلاق لذلك الربيع في رمزية تحمل الكثير من الدلالات وتزداد الصورة إيجابية عبر اقتراب الجيش العراقي من استعادة الموصل حتى إذا ما استطاع تحقيق ذلك أمكن أن يقوم ذلك الجيش بالإعلان هو الآخر عن ربيعة العسكري الخاص به، وفي تداعيات الحدثين (استعادة تدمر + اختراق موسكو) المنفعلين- والفاعلين- أحدهما بالآخر يمكن لنا القول إننا بتنا بانتظار حدوث تغييرات جوهرية يمكن أن تنال من تركيبة الوفود السورية المعارضة وتحديداً وفد الرياض (وهو حاصل لا محالة) قبيل انطلاقة الجولة المرتقبة الثانية في جنيف 11/4/2016 وهي تفترض استئصال المتطرفين وهو ما يمكن تلمسه في تصريح مايكل راتني المشرف الأمريكي على وفد الرياض عندما قال إنه قد ضاق ذرعاً بالتصلب الذي يمارسه وفد الرياض في مفاوضات جنيف 3 وهو بذلك يريد القول إن «وفده» يبدو بعيداً عن قراءة التحولات الدولية الحاصلة وكذلك التحولات الداخلية التي تشهدها الساحة السورية.
أيضاً يمكن لنا القول إننا بانتظار (وهو أمر راجح أيضاً) أن يذهب الأمريكان كتتمة للخطوة السابقة إلى قصقصة الأذرع التي تستخدمها كل من الرياض وأنقرة والدوحة لعرقلة الخطوات التي تسير قدماً باتجاه إنجاح الحل السياسي في سورية، أما المعارضة السورية فهي مدعوة إلى قراءة الحقائق أو الوقائع إذا ما أرادت أن تكون رقماً في الحوار السوري- السوري وفي حال العكس (بمعنى أنها إذا استمرت في تصلّبها) تنفيذاً لمطالب إقليمية وتجاهلاً لمطالب دولية فإنها يجب أن تضع في حسبانها أن القوى الدولية لن تكون عاجزة إذا ما اضطرها الأمر لذلك على فرض تسوية سياسية حتى بغياب كامل لها (للمعارضة السورية) الأمر الذي يخرجها (وهذا هو الأهم لها) من حفلة توزيع المكاسب، الأمر الذي شكل على امتداد الأزمة السورية محوراً للحراك الذي اعتمدته أغلبية الشرائح المكونة لها.
أما الرياض فإنها ستكون أمام خيار القيام بمتغيرات- وهي على الأرجح فاعلة- إزاء الأزمة السورية ولا بأس هنا (والرأي هنا للغرب) من أن تكون تلك المتغيرات حافظة لماء الوجه السعودي، الأمر الذي قد يتطلب تغييب ببغاء الديبلوماسية السعودية (عادل الجبير) الذي جعلت سقوفه العالية والخارجة عن الأعراف والمبادئ الدولية من كاريزماه عائقاً أمام المضي في مسار الحل السياسي السوري، الأمر الذي قد يحصل نهاية الشهر المقبل حيث ستكون الرياض على موعد مع تغيير حكومي واسع كما تقول وكالة الأنباء السعودية الرسمية، أي أن تقوم الرياض بالتضحية بالخراف لحماية الثيران.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن