اقتصاد

تكامل أدوار

| علي هاشم 

يستحق أعضاء مجلس الشعب ما أسبغه عليهم رئيس مجلس الوزراء من ثناء خلال الجلسة الختامية الأخيرة للدور التشريعي الأول، فالرجل لم يلق منهم خلال السنوات الأربع الأخيرة من عمر حكومته ما «يفسد للود قضية»، وهذا لربما مبعث شعوره العارم بالارتياح وهو يتلو بيانه التفصيلي تحت القبة، إلى حدود التنويه بملكات المراقبين المفترضين لحكومته في «تجسيد آمال الشعب السوري وطموحاته» ضمن سيمفونية متقنة من «تكامل الأدوار مع مؤسسته التنفيذية»!
ما أسبغه رئيس المجلس من ثناء، إنما يستبطن بالطبع ثناءً مقابلاً بما حققته حكومته من تلك «الآمال والطموحات»، لتتجسد بذلك سلطاتنا التنفيذية والتشريعية كمجموعة متكاملة من «مجسدي الطموحات»، وليس كما يعتقد «بعض الشعب» بأن «تكامل الأدوار» بين كليهما يترجم وفق معادلة: متحدث جيد عن الإنجازات، ومستمع جيد له!
وفي إحدى المرات النادرة من سني حكومته الطويلة، جاء على ذكر سياسة التمويل بالعجز التي لجأت إليها، معتبرا ذلك قراراً اضطرارياً فرضه «تراجع موارد الدولة واستنزاف مقدراتها لتأمين متطلبات الأمن الوطني والغذائي والطاقوي».
لا خلاف بالطبع حول ما ساقه رئيس المجلس من مبررات للجوء إلى «التمويل بالعجز»، بل في النتائج التضخمية المديدة التي ساقتها أمامها طريقة التعاطي مع الأمر بأسوأ صيغه الممكنة، فهذا المبدأ المالي الذي يختلف الاقتصاديون حول جدواه، ويتفقون تماما على مخاطره وضرورة معالجة نتاجه من داخله، تحول من تقاسم لأعباء التنمية مع المستقبل، إلى ترحيل متراكم لآلام وأمراض اجتماعية تتوالد تباعا وسيكون لصداها تأثير بالغ في حياتنا جميعاً في المدى المنظور.
فبالتزامن مع تجاهلها التام لتوظيف أي من التمويلات التي رصدت «بالعجز» في إطلاق سياسة تشغيل طارئة تمكنها من استعادة جزء من الكتلة السلعية الضائعة أو التأسيس لخلق أخرى مستقبلا يوكل إليها مهمة امتصاص الكتلة النقدية المتدفقة للأسواق، رفضت الحكومة مد يد العون لمؤسسات الإنتاج القائمة وتركتها وحيدة تصارع الحرب الممنهجة التي تستهدفها، لا بل ذهبت أبعد من ذلك حين لجات إلى التضييق عليها بزعم «حماية المال العام» وصولا إلى مصادرتها وبيعها وكأنها مجرد حجارة وحديد، لا طريق خلاصنا الوحيد؟!
على هذا المنوال، وجد التضخم مكسبا صافيا له في تصعيد نسبه إلى حدود قياسية وفق معادلة لولبية كان لها أول، ولم يظهر آخرها حتى الآن، ووفق هذه المعادلة تحول التمويل بالعجز إلى عجز صرف سنتوارثه مع الأيام: تضخم نقدي حاد، جمود الجهاز الإنتاجي، مضاربة، تردي مستوى المعيشة وخاصة لذوي الدخول المحدودة، زيادة التفاوت الطبقي في المجتمع.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن