قضايا وآراء

سورية والتفاهم الروسي الأميركي

| د. أسامة سمّاق

– هل تم فعلاً وضع خريطة الحل الدائم في سورية؟
– لماذا أثيرت الفدرالية في هذا الوقت بالتحديد؟
في البداية لابد من القول بأن الأحداث السياسية والعسكرية حول سورية قد تسارعت بشكل لم يسبق له مثيل منذ التدخل الروسي لمؤازرة الجيش في حربه ضد أعدائه على مسرح العمليات السوري. هذا التدخل الذي أنتج الحقائق التالية:
1- عسكرياً:
– انتقال المبادرة الإستراتيجية إلى الجيش وتراجع أعدائه على جبهات المواجهة.
– تحول مناطق المسلحين وتنظيماتهم المختلفة إلى أهداف سهلة بالنسبة للقوة الجو فضائية الروسية.
– تعرض خطوط إمداد المسلحين وخاصةً من تركيا للقصف المستمر ما أدى إلى ظهور خطر إستراتيجي على قدراتهم اللوجستية.
-تحرير بعض المناطق السورية واتساع الجغرافيا الخاضعة لسيطرة الحكومة.
– ارتفاع الروح المعنوية لدى الشعب وقواته المسلحة.
2- سياسياً:
– انطلاق الحراك الديبلوماسي باتجاه إيجاد تسوية سياسية للأزمة السورية.
– تواتر اللقاءات بين وزيري خارجية روسيا الاتحادية وأميركا.
– لقاءات فيينا وتشكيل مجموعة دعم سورية.
– بيان فيينا حول خريطة طريق الحل في سوريا وتحديد موعد زمني لإنجازها خلال ثمانية عشر شهراً.
– صدور قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 الذي وضع اتفاق فيينا تحت رعاية الشرعية الدولية.
– انطلاق جولات مؤتمر جنيف بين الأطراف السورية برعاية الأمم المتحدة.
ذلك كله يقودنا أيضاً إلى أن تفاهماً روسياً أميركياً على الخطوط العريضة للحل في سورية قد تم التوصل إليه، على أن تترك التفصيلات للأطراف السورية، تترك التفصيلات للسوريين بشرط أن يتم ضبط إيقاعها من القوتين العظميين بما يضمن عدم خروجها عن الخطوط العريضة التي رسمها الرعاة الدولين.
هنا لابد من الإشارة إلى تصريحات ريبكوف نائب وزير الخارجية الروسي الذي قال: «إننا والولايات المتحدة سنقدم المساعدة للأطراف السورية في محادثاتهم على شكل مبادرات أو أفكار.. وإن قضية الرئاسة السورية متروكة للسوريين وهم أصحاب الحق في حسمها» انتهى الاقتباس، وهذا يشير إلى أن ما يدور في جنيف تتم متابعته من القوتين العظميين وبشكل دائم.
بالتداعي فإنه من البديهي أن نتوقع الوصول إلى حل وسط في جنيف ينهي الحرب السورية ويوجه كل البنادق باتجاه داعش والنصرة والإرهاب عموماً، ويحفظ مصالح الدول الكبرى بما فيها خلق الشروط الموضوعية اللازمة للحد من مشكلة الهجرة التي أصبحت قلق أوروبا المستمر وهاجسها بسبب انتشار المتطرفين على أراضيها، وذلك خلال الفترة التي حددت في قرار مجلس الأمن الدولي أو بعيدها بفترةٍ ليست طويلة. وعلى اعتبار أن السياسة هي بالنتيجة موازين قوى فلا بد أن ينعكس ما تم تحقيقه على أرض المعركة من إنجازات على طاولة المفاوضات.
هذا من ناحية الحل السياسي وتوجهاته.
أما ما يطرح حول الفدرالية منذ بعض الوقت فقد كان واضحاً ومنذ بداية الأحداث أن ما يجري في سورية والمنطقة يهدف إلى دق إسفين من عدم الثقة بين المجموعات البشرية المختلفة المقيمة على أرضها على أساس عرقيٍ وطائفي وديني تمهيداً لتشتيت جغرافيتها السكانية وتقسيمها. ما يسمح باستمرار التخلف وهيمنة الماضي على عقول أبنائها وبالتالي سيطرة الدول الكبرى عليها وإدارة ثرواتها. تناولنا هذا الموضوع مرات عديدة في حواراتنا مع النخب الثقافية المختلفة خلال خمس السنوات التي مرت من عمر الأزمة.
اليوم بدأت مؤشرات الواقع تبرهن على صحة هذا التحليل من خلال ما يثار حول الفدرالية والتي تعني بالأساس نظاماً اتحادياً لإدارة الدولة تتصف باللامركزية وبعقد اجتماعي يوزع السلطات والثروات بين المركز والأقاليم. وبنظرة سريعة نرى أن معظم دول أوروبا هي دول فيدرالية وكذلك الكثير من دول العالم وفي مقدمتهم روسيا وأميركا. أي إن الفدرالية تعني الاتحاد. هذا بالنسبة لدول العالم.
بالنسبة لسورية فقد سعت الدولة منذ عام 1970 إلى تعميم اللامركزية في إدارة الدولة عن طريق قانون الإدارة المحلية، لكن تطبيق هذا القانون كان غير موفق ما أدى إلى تعطيله عموماً لمصلحة المركز واستمرار النمط القديم الذي يعتمد نظام الإدارة ويصادر صلاحيات الأطراف والمحافظات التي اختصر دورها في تنفيذ ما يملى عليها. وهذا ما خلق خللاً كبيراً في التوازن بين الصلاحية والمسؤولية. إضافة إلى محاولة صهر الأقليات القومية في البوتقة العربية والذي أدى إلى ردود فعل هذه الأقليات أقلها فقدانها الثقة في إمكانية حصولها على بعض مطالبها القومية، هذا إذا استثنينا الأقلية الأرمنية من ذلك. وقد مثل الأكراد الأقلية القومية الأكبر بين هذه الأقليات.
وبالقياس على تجربة العراق فإن شبه الفدرالية المحدثة هناك أسست لتفتت الدولة فطموح إقليم كردستان في الانفصال أصبح معلناً، وإمكانية انفصال أقاليم أخرى على أساس طائفي أصبح واضحاً.
وفي حال إسقاط ذلك على الواقع السوري فقد يتحول ذلك إلى كارثة تؤدي إلى تفكك الدولة الواحدة إلى شظايا، عرقية وطائفية تؤسس لشرعنة إسرائيل كدولة يهودية مهيمنة، حيث لن تكون الدولة الدينية الوحيدة في المنطقة! وهنا تتحول الفدرالية من اتحاد بمعناه الإيجابي إلى انقسام وتفتت مقيت ومكروه لا يمكن أن يحصل على تأييد الأغلبية من السكان.
إلى ذلك فإن مشاريع كهذه في هذا الوقت بالذات في بلدٍ جريح كسورية لم يضع بعد نهاية لمأساته هو استغلال لهذه المأساة وتداعياتها ومحاولة للقفز فوق حقائق التاريخ والجغرافيا وتجاهلاً لأنهار من الدماء النازفة من أجل بقاء سورية ووحدة أراضيها. ويؤسس لتشكيل كيانات وشبه دول ضعيفة مسلوبة الاستقلال والإرادة تعيش عدم الاستقرار الداخلي والخارجي. ومثال تنظيم داعش ما زال حديثاً حين كاد يحتل إقليم كردستان العراق لولا المساعدة الأميركية والإيرانية للعراق.
في المقابل فإن مساحةً واسعة من اللامركزية والاعتراف بالأقليات القومية وحماية حقوقها دستوريا وقانونياً، يسقط معظم الحجج والمبررات للأطروحة الفيدرالية، ويفشل الرهانات الدولية على رسم سايكس بيكو جديدة ستكون بالضرورة أكثر تفتيتاً للجغرافيا وأكثر فتكاً بالإنسان الذي يستوطن هذه الجغرافيا.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن