قضايا وآراء

آفاق الجولة المقبلة في جنيف

| عبد المنعم علي عيسى

جاءت القرارات الدولية التي أعقبت عاصفة السوخوي (30/9/2015) لتعكس طبيعة المتغيرات الحاصلة على المشهد السوري، ولتلحظ- ثم ترمّم- أهم الفجوات التي أثارت جدلاً واسعاً، فقد جاء لقاء فيينا (30/10/2015) ليؤكد دولة سورية موحدة علمانية (خروج عن نص جنيف 1) ثم جاء فيينا (14/11/2015) الذي أعطى تفسيراً لماهيّة هيئة الحكم الانتقالية (إضافة إلى جنيف 1) وصولاً إلى القرار 2254 (18/12/2015) الذي أريد له أن «يَجُبَّ» ما سبقه وفيه كان واضحاً تجاهل بنوده لمبادرة دي ميستورا التي كان قد أطلقها في آب من العام 2015 الأمر الذي يعني عملياً أن التفاهم الروسي- الأمريكي قد تبنى فعلياً مسار 30/9/2015 وما يعزز هذا الأمر المشار إليه هو اقتطاع الجملة التي تشير إلى هيئة الحكم الانتقالية من ذلك القرار، ليترك هذا الأمر كما يبدو للمفاوضات السورية-السورية الكفيلة بحلّ تلك الإشكالية في سياق وصولها إلى توافقات معينة.
خرجت الجولة الأولى من المفاوضات (29/1/2016) بوثيقة قدمها المبعوث الدولي كانت مكونة من /12/ بنداً ضمنها رؤياه الشخصية بعدما استوعب مطالب الفريقين كل على حدة في ضوء ما توصل إليه الجانبان الروسي والأمريكي إبان زيارة جون كيري الأخيرة لموسكو (25/3/2016)، ومن الجائز القول إن وثيقة دي مستورا تمثل تغليباً للممكن على المأمول أو تغليباً للضرورة بعيداً عن العاطفة وفيها استطاع المبعوث الأممي تجنب الكثير من الألغام وأهمها كان في خلوّها من أي ذكر لمقام الرئاسة السوري في حين أنه ترك للبيان الصادر من موسكو في نهاية زيارة كيري لها الإعلان عن الدور المحوري الذي يؤديه الجيش السوري الذي بات (الكلام لا يزال للبيان) يمثل القوة الوحيدة القادرة على هزيمة الإرهاب ممثلاً بداعش وجبهة النصرة على حدّ سواء، وهي نتيجة تعتبر في غاية الأهمية لارتباطها العضوي بالنقطة السابقة (مقام الرئاسة) بمعنى أن الإقرار بإحداهما من دون الأخرى لن يكون عاملاً إيجابياً يدفع باتجاه تحقيق تسوية سياسية للأزمة السورية.
اليوم وعلى أعتاب الجولة المقبلة من المفاوضات المقررة 11/4/2016 في جنيف تبدو المناخات المحيطة بانعقادها أكثر إيجابية فيما يخص الدولة السورية على خلفية المستجدات التي سترخي بظلالها الثقيلة وهي لن تفعل كذلك على سماء الجولة المقبلة فقط بل ستعبرها لتخيّم على سماءات الجولات المقبلة وهي من شأنها أن تؤدي إلى تقلص الدور الإقليمي لمصلحة نظيره الدولي بعدما تجاوزت الأحداث الأدوار- والأحجام- الإقليمية برمتها حتى أضحت هذه الأخيرة ثانوية إن لم تكن مهملة بفعل تلك المناخات التي بلورتها عوامل ثلاثة:
الأول: عقيدة أوباما التي أظهرت (فيما يخص منطقتنا) ندم الرئيس الأمريكي على التدخل العسكري في ليبيا (آذار 2011) وتحميله مسؤولية الانهيارات الليبية الحاصلة إلى حلفائه البريطانيين والفرنسيين، كما أظهرت حجم الاحتقان الأميركي حيال الإيديولوجيا الوهابية عندما شن على المملكة السعودية متهماً إيّاها بنشر الإرهاب والتطرف وفي الآن ذاته امتدح إيران وكأن الطين بحاجة إلى المزيد من البلل.
الثاني: تفجيرات بروكسل 22/3/2016 التي هزت الذات الجماعية الأوروبية والأميركية أيضاً كما لم يفعل ذلك أي حدث منذ11 أيلول 2001 فالنار باتت على مسافة أمتار قليلة (50م) من مبنى الناتو في العاصمة البلجيكية وللأمر رمزيته المتفردة إذ لطالما شكل ذلك المبنى رمزاً للسطوة الأميركية والغربية تماماً مثلما كان برجا التجارة العالميان في نيويورك قبل 11 أيلول 2001.
الثالث: تحرير مدينة تدمر على يد الجيش السوري وحلفائه بعد معركة قصيرة نسبياً فهي لم تمتد لأكثر من عشرين يوماً (6-26/3/2016) وعلى الرغم من ذلك فإنها شكلت مأثرة عسكرية لسوف يعتبر بها الكثير من الدراسات العسكرية والإستراتيجية إن كان لجهة التكتيكات المتبعة أم لجهة طبيعة الهجوم وفي ذلك وبعد انقشاع غبار المعارك عن ساحة المعركة تبين أن عدد المهاجمين لم يكن يزيد على بضع مئات فقط وهو لم يصل إلى الألف وهذا مذكور في تصريحات كبار المحللين بمن فيهم المعارضون منهم، فرضت المعطيات السابقة نفسها على المنطقة وهي في مجملها تصب في مصلحة الدولة السورية التي بدت مؤخراً تتلمس رياح الخارج جيداً فها هي بثينة شعبان تعلن (25/3/2016) أن دمشق تتوقع من الولايات المتحدة أن تقوم بالضغط على الأطراف التي تعارض التسوية السورية، وبعدها بيومين (27/3/2016) أعلن الدكتور بشار الجعفري أن بلاده مستعدة للتعاون مع واشنطن في إطار تحالف دولي ضد الإرهاب، في حين أن المفاجأة كانت في زيارة وزير الخارجية السوري إلى الجزائر (28/3/2016) التي طرحت الكثير من التساؤلات أكثر مما طرحت من أجوبة في ظل تسريبات مفادها أن ثمة وساطة جزائرية ما بين دمشق وباريس تكون مدخلاً لوصل ما انقطع مع القارة الأوروبية وهو ما يشكل أمراً طبيعياً قياساً إلى التعاون الأمني الذي لم ينقطع بين الطرفين بل إنه ازداد مؤخراً بدرجات عالية الأمر الذي يستدعي الانتقال من القنوات الأمنية إلى نظيرتها السياسية بانتظار الجولة المرتقبة 11/4/2016 يبدو جلياً أن متغيرات عديدة سوف تحدث بما يتناسب مع المستجدات الدولية وإذا كان لنا أن نستقرئ يمكن أن نقول إن تركيبة وفد الرياض سوف تشهد تغيرات جذرية يستبعد منها ذوو الرؤوس الحامية التي لا لزوم لها في ظل سيناريوهات تسعى إلى التهدئة، كذلك من المتوقع أن تعمل واشنطن على انتزاع المزيد من الأوراق الضاغطة التي يستخدمها كل من الرياض وأنقرة في عرقلة مسارات التسوية السورية، بين هذا وذاك تبدو المعارضة السورية كمن لا يدري ماذا يجري هنا أو ماذا يجري هناك، وهي في مواجهة ذلك السيل المتدفق والمتسارع للأحداث تبدو كمن لا سبيل أمامه سوى إطلاق التصريحات النارية التي تبدأ بـ(لا نقبل… لا يمكن لنا… لن نفاوض…) وكأني بها تمثل ملاذاً نفسياً للخروج من نفق كلما تقدمت فيه بدا أن تتالي الانهيارات سوف يكون أكثر، وعلى الرغم من ذلك فإن الخيارات الأخرى تكاد تكون معدومة بمعنى أن لا خيار أمامها إلا الالتصاق بالأجندة الأميركية بكل تفاصيلها، والمرير في الأمر أن كثيراً من نخبها (نخب المعارضة) بات يدرك جيداً أن واشنطن ليس لديها شيء آخر سوى تسويق الوهم في كل الاتجاهات بعدما استنفدت المعارضة السورية جميع أوراقها حتى لم يعد لديها ما تقدمه، وفي ذلك يقول المثل الروسي: «الجبنة بالمجان لا توجد إلا في المصيدة».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن