الأولى

سورية بنظام برلماني!

| بيروت – محمد عبيد 

تتداول مراكز القرار في الولايات المتحدة الأميركية ودول الاتحاد الأوروبي (فرنسا خصوصاً) صيغاً متعددة حول شكل ومضمون دستور الدولة السورية العتيدة بناءً على العناوين التي تضمنتها الآلية الروسية-الأميركية للحل السياسي المفترض في سورية.
وترى بعض هذه المراكز أنه يجب الاستفادة من عناوين الآلية المُعلنة لإجراء تغييرات جذرية في بنية النظام السياسي السوري من خلال الحوارات الثنائية أو المتعددة مع الطرف الروسي، وكذلك عبر تكريسها بورقة «توافقية» يعمل على إعدادها المبعوث الدولي ستافان دي ميستورا، حيث تشكل أرضية للتفاهم حولها على طاولة الحوار السوري- السوري غير المباشر حالياً والمباشر لاحقاً، كما تتوقع مصادر متابعة.
وتعتقد هذه المراكز أنه إضافة إلى البند الأساس في الآلية المذكورة والمتعلقة بالدستور، يبرز بندٌ آخر مرتبط به ولا يقل أهمية عنه وهو الذي يشير إلى ضرورة إعادة صياغة أوضاع الجيش العربي السوري وتباعاً الأجهزة الأمنية العاملة التي تَبينَ أنها بتماسكها مع القيادة السياسية وصمودها في الميدان استطاعت مجتمعة أن تحمي سورية وتمنع تقسيمها، كذلك منعت الاستفراد بهذه القيادة وهو ما حصل في بعض الدول التي جرفتها موجة «الربيع العربي». لذا، فإنه عدا الرغبة الغربية وبالأخص منها الأميركية في تغيير عقيدة هذا الجيش القتالية المُقاوِمة وتعطيل دوره القومي الهادف لتحقيق توازن إستراتيجي مع العدو الإسرائيلي، هناك أيضاً مسعىً حثيث للفصل بين المؤسسات العسكرية والأمنية وبين المؤسسات السياسية وبالأخص منها موقع رئاسة الجمهورية من خلال الدستور الجديد الذي يُعَد له.
تسعى واشنطن وحلفاؤها في بعض العواصم الأوروبية سياسياً إلى إنجاز ما لم تتمكن منه الرياض وأنقرة ومعهما الدوحة عسكرياً، أي إسقاط النظام وتنحية الرئيس بآليات تظن أنها ممكنة التحقق من خلال الضغط على هذه العواصم الإقليمية وأدواتها «المعارضة» لتأجيل طرح مسألة مستقبل الرئيس الدكتور بشار الأسد في الوقت الراهن، والتركيز على المسار السياسي الذي يوصل إلى اتفاق يحقق الهدف نفسه بل إنه يحقق أكثر من ذلك في حال نجحت خطة تغيير الدستور وليس تعديله فقط.

وتأمل هذه العواصم مجتمعة أن تقود البحث مع موسكو إلى التركيز على إقرار نظام برلماني كبديل من النظام الرئاسي القائم الآن، حيث يتم انتخاب رئيس الجمهورية من البرلمان أو مجلس النواب المنتخب والذي يمتلك أيضاً صلاحية التحكم بتشكيل الحكومة باعتباره مصدراً للسلطات بدلاً من الشعب أو نيابة عنه، في استنساخ هجين للواقع الدستوري اللبناني الذي لم ينتج استقراراً تشريعياً أو سياسياً منذ إقرار ما سمي وثيقة الوفاق الوطني أوائل التسعينيات، وما أزمة عدم التمكن من انتخاب رئيس جديد للبنان وتكرارها وحتى انتخاب مجلس نواب جديد أو تشكيل حكومات جديدة في مواعيدها الدستورية إلا خير دليل على ذلك.
تثق واشنطن وحلفاؤها أن إقرار هذا المبدأ الدستوري يمكنها من التحكم بموقع الرئاسة السورية بعد إضعافه عبر نزع المهم من صلاحياته، فالنواب المنتخبون مهما كثر عددهم فيمكن التأثير عليهم سياسياً واجتماعياً ومالياً وبالتالي دفعهم إلى تسمية أو تعيين من تنتخبه المصالح الأميركية والحليفة طبعاً مع مراعاة بعض التوازنات الدولية والإقليمية المتغيرة صعوداً ونزولاً.
هي جولة جديدة من الصراع السياسي لتثبيت موقع سورية ونظامها المرتبطين والمبنيين على ثبات الرئيس الأسد في موقعه على رأس هذا النظام.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن