قضايا وآراء

اتجاهات التسوية

| مازن بلال 

قبل جولة جنيف تتغير الجبهات السورية بشكل دراماتيكي، على الرغم من عدم حصول تحول في الميزان العسكري، لكن الواضح أن معظم الخروقات كانت نوعا من خلط الأوراق، في وقت استطاعت فيه بعض الفصائل السيطرة على مناطق حدودية بعد انتزاعها من «داعش»، وبغض النظر عن أهمية ما حدث عسكريا لكنه يشكل في العمق مشهدا سياسيا ينسجم مع عدم الوضوح في مستقبل التفاوض في جنيف، أو حتى على مستوى التوافق الروسي – الأميركي لحل الأزمة في سورية.
التطورات العسكرية كانت ضمن سياق واحد مع بعض المؤشرات السياسية؛ أبرزها إفشال واشنطن لبيان رئاسي عن مجلس الأمن بشأن مشاركة الأكراد في مفاوضات جنيف، وبالرغم من جميع التقارير التي تحدثت عن دعم أميركي لوحدات حماية الشعب الكردي في معاركه ضد داعش، فإن حليفا آخر يبدو أنه يتحرك على الأرض مكونا من فصائل هي أقرب إلى النصرة، ومدعومة تركيا، والأهم أنها لا تحتاج لغطاء سياسي أميركي؛ تحركت ضد داعش واحتلت قرية الراعي، وفي هذا المشهد أمران أساسيان:
– الأول ما تقوم به واشنطن من تطويق للتحرك الروسي في سورية، فهي تعود لترسم منافذ عبر حلفاء «متقلبين» ويحملون عقيدة جبهة النصرة، وتحاول في الوقت نفسها فرز الأدوار بما يتناسب مع «تقطيع» مشهد التسوية.
عمليا فإن ما حدث هو إعادة اعتبار للحليف التركي، فتحرك تلك الفصائل يمتد على الجغرافية نفسها التي كانت أنقرة تطالب بها كمنطقة آمنة، وفي الوقت نفسه يقطع على الأكراد فرصة الدخول كشريك كامل في حل الأزمة السورية، والمشكلة الأساسية أن المعارك الأخيرة ملتبسة لأبعد الحدود، فهي ضد داعش في شمال حلب وضد الأكراد والجيش السوري في محيط المدينة، وبينما تراقب واشنطن رد الفعل الروسي على هذا التطور فإن روسيا تحاول تجاوزه للاستفادة من الوقت الخاص بالتسوية وبمفاوضات جنيف.
– الثاني استغلال الثغرات في جميع التفاهمات الدولية، وعلى الأخص عدم تصنيف المجموعات الإرهابية، لتقوية أوراق الدول الإقليمية، فما يحدث هو أكثر من معارك أو خرق لوقف الأعمال العدائية، لأنه يندرج نحو إشغال موسكو ودمشق بجبهات متعددة وإبعادها عن محور «داعش» سواء في دير الزور أم في الرقة.
وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة تبدو مهتمة بمحاصرة داعش في سورية والعراق، لكنها تريد للمعارك الحاسمة ضد الإرهاب أن تصب في خط التحول في بنية المنطقة وليس في إعادة الاعتبار لقوة الدول القائمة حاليا، فأوراقها الحقيقية تبدو في التحكم بالأزمة وجعل الإرهاب العامل الرئيس الذي يمكن أن يشكل المنطقة من جديد، ويمكن لهذا «التحكم» أن يفسر ما يتم تداوله عن قاعدة أميركية في «إسرائيل»، فهل فقد الكيان سمته الأساسية والوظيفية وأصبح يحتاج لدعم أميركي مباشر؟
من الصعب تأكيد سيناريو أميركي محدد بشأن شكل الشرق الأوسط، فهي اليوم تفتح مساحات جديد لتوسيع الاحتمالات أمام الإدارة القادمة، وهي أيضاً تحاول تكريس طريق طويل أمام التسوية لأنها لم تحسم بعد أي توجه كامل بشأن حل الأزمة السورية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن