قضايا وآراء

بين «دكتوراه الملك» وقمة إسطنبول القادمة: العين على سورية والباقي تفاصيل…

| فرنسا – فراس عزيز ديب

هكذا أخذت جامعةُ القاهرة إحدى أعرق الجامعات في الشرق الأوسط على عاتِقها منح ملك «آل سعود» شهادة الدكتوراه الفخرية. المفارقة أن الجامعة التي يسبق تاريخ تأسيسها تاريخ تأسيس مملكة «آل سعود» بعقودٍ، وفي اللحظة التي كانت تمنح فيها الملك «الأمي» هذا الامتياز، كانت «شرطة الحسبة» في مملكةِ القهر تقوم بإنجازٍ مهمٍ تمثل بقص شعرِ لاعبِ كرة قدم في أحد الأندية في الدوري المحلي، بذريعةِ أن تسريحته محرّمةٌ شرعاً وأنه سيتم منعها بعد صدور فتوى وهابية بذلك؛ فتوى تُضاف للرصيد الوهابي القميء الذي يحكم الشعب بالحديد والفتاوى.
مفارقةٌ غريبةٌ، لكنها ليست الوحيدة التي ميَّزت الأيام القليلة الماضية، ففي الوقت الذي كان الحديث فيه أن القمة (العربية – الإسلامية) التي ستنعقد في إسطنبول منتصف الأسبوع ستناقش القضية الفلسطينية كملفٍ رئيسي، كان النظام التركي الراعي للقمة يسعى بكلِّ قواه لاستعادة تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني ضمن الشروط «الإسرائيلية». غريبةٌ هذه الفكرة لأن السعي لاستعادةِ العلاقة «الأخوية» مع الكيان الصهيوني وادعاء الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني لا يلتقيان، أو (دونت ميكس) كما عبَّر يوماً الرئيس المصري المعزول «محمد مرسي» وباتت عبارته مثاراً للسخرية.
لكن المفارقات لم تنته، ففي الوقت الذي تم فيه إنجاز وقف بث «المنار» من على قمر نايل سات كأحد أهم إنجازات زيارة «الدكتور خادم الحرمين» واستثماراته الملكية، باعتبارهم يروجون دائماً بأن محور المقاومة حليفٌ لـ«إسرائيل» ويحمي حدودها، كانت الصحافة العالمية تحتفل بشقيقين سوريين وصفتهما بمعارضين لنظام الأسد» يلتقيان لأول مرة منذ 5 سنوات، لأن كلاً منهما كان يقاتل «النظام» على جبهةٍ، لكن أين تم اللقاء؟ ببساطةٍ في مشفى «إسرائيلي» حيث يُعالج كلاهما!
نتمعن بهذ التناقضات ونسأل:
ما الذي يجري وما الدرك الذي وصلنا إليه، وهل حقاً إن هناك إمكانية للخروج الجماعي من هذه المستنقعات التي بتنا فيها؟ أم إن الأمر يدخل في السياق الطبيعي لما يمكننا تسميته فرزاً كاملاً للتحالفات والتكتلات؟ فرزٌ لابد أننا سنمر به لكي تُسمى الأمور بأسمائها، لأن الأمر أكبر من مجردِ صراعٍ في المنطقة، بل هو الصراع على المنطقة.
في واقع الأمر إن زيارة ملك «آل سعود» هي أبعد من محاولةِ ضمان موقف مصر في الاتجاه الذي يراه «آل سعود» لجهة الحرب على سورية واليمن أولاً ولجهة العلاقة مع تركيا ومحاصرة إيران ثانياً.
كان لافتاً قبل الزيارة حديث الإعلام المصري عن عدم توافق في الكثير من الملفات بين مصر والمملكة، طبعاً هذه التباينات التي جرى تضخيمها لإظهار استقلالية قرار النظام المصري لم تكن موجودة إلا في مخيلة المروجين لسياسة السيسي. لكي لا نُتهم بأننا نلقي الاتهامات جزافاً لندقق بما قاله المدعو «أنور عشقي» وهو مهندس الاتصالات «السعوإسرائيلية» قبل الزيارة بيوم، عندما قال إن الزيارة سيتم فيها التفاهم على القضايا الإقليمية المهمة ووضع الحلول لها وتوحيد المواقف تجاه الأزمات. واهمٌ من يظن أن زيارةً واحدةً قادرةٌ أن تنقل طرفين متناقضين بهذا الحجم نحو التفاهم، إما أن التناقضات هي في الجزئيات البسيطة التي حاول السيسي من خلالها ابتزاز «آل سعود» للحصول على الدعم الاقتصادي الكامل، أو أنه لايوجد خلافاتٌ من أساسه وكل ما كان يُحكى هو بمنزلة تعويمٍ للسيسي لا أكثر، وإلا فمن أين جاء عشقي بتأكيداته أن الزيارة ستجد حلولاً لكل شيء؟!
من جهةٍ ثانية، لا يمكننا فصل «حفلة التكاذب» التي كان مسرحها «أم الدنيا» عن الشريط المسجل لنائب الرئيس العراقي السابق «عزت الدوري»، الذي يدعو فيه الجميع للتحالف خلف رايةِ «آل سعود» ضد إيران وسياساتها.
يبدو واضحاً أن قصة الدوري هي استنساخٌ فاشلٌ لقصة الفيديوهات المصورة التي كان يبثها زعيما تنظيم القاعدة «بن لادن» ومن ثم «الظواهري» عندما كانت الولايات المتحدة ترى أن هناك حاجة لهما. منطقياً إذا كان الدوري يريد أن يحمِّل الأميركيين مسؤولية ماجرى في العراق فلماذا يهدِّد إيران تحديداً وهي لم تشارك أبداً في الغزو الأميركي للعراق، بل إن الممولين معروفون بالاسم؛ فكيف يقوم بدعوة الجميع للقتال تحت رايتهم!؟
ختاماً، نجد أن الإسرائيليين ينشدون خيراً في إعادة تطبيع علاقاتهم مع تركيا، أكثر من ذلك، فإن اكتمال هذا المثلث (المصري – التركي – السعودي) كان ينقصه نقطة ارتكازٍ عراقيةٍ تجسدت في الفيديو الذي ظهر للدوري. هو نوعٌ من التحضير لما سيجري في قادماتِ الأيام، وللأسف مهما حاولنا التلاعب بالألفاظ واللعب على المفردات فإننا مضطرون للرجوع للكلام الأميركي و»الإسرائيلي» عن التعاون مع (القوى السنية المعتدلة في المنطقة)، تحديداً أن الاعتدال بالنسبة لهم مرتبطٌ بالموقف من «إسرائيل»، والتسميات الطائفية التي يطلقونها ما هي إلا قمصان يُلبسونها لمن ينفذون سياساتهم، وليست بالضرورة تعبيراً عن حقيقة الواقع، لكن ما هو تأثير هذه الأحداث على الساحة السورية؟!
باختصار، كل ما يجري هدفه الساحة السورية أولاً وأخيراً، إن طموح «آل سعود» كان ولا يزال إرسال قواتٍ (عربية – إسلامية) إلى مناطق ما من سورية تكون نواةً لمناطق عازلة. عليه فإن جنيف القادم بعد أيام لا يعوَّل عليه بشيءٍ، بل إن سقوط جنيف قبل أن يبدأ لن يكون من خلال تجدد طموحات «آل سعود» فحسب، بل من الكلام الأميركي خاصةً؛ فبعد أن قال كيري إن الأسد لا يمكن له أن يستعيد شرعيته، واستعادة كافة الأراضي أمرٌ مستحيل، أتبعها بالأمس من بغداد بالحديث عن أن الأسد لامكان له في المرحلة الانتقالية. هي رسالةٌ فيما يبدو للوفد المعارض في الرياض بأن جنيف لايجب أن يصل لنتيجةٍ على الأقل في هذه الفترة.
ربما علينا الكف عن اعتبار أن بعض تصريحات كيري هي بمثابة استرضاءٍ للحلفاء، هذا الاستخفاف والتبسيط لا يمكن استعماله مع كل التصريحات، ربما قد يصدق هذا الأمر فيما لو حلّلنا تصريحات السفير الأميركي في أنقرة بأن الولايات المتحدة لاتدعم أي تحالفٍ يسعى لتبديلٍ ديموغرافي، وأنهم لا يرسلون سلاحاً لأي جهةٍ، هذا الكلام لا يتناقض فقط مع الممارسة العملية على الأرض، لكنه كذلك الأمر يتنافى مع رغبة أوباما بزيادة عديد القوات الخاصة العاملة في شمال سورية، إذن فمن نصدق!؟
ليس علينا أن نصدق أحداً، ما يجب تصديقه فقط أن الهدنة بحدها الأدنى كان لها انعكاساتٍ سلبية، وأن استعادة البعض للدور المتمادي بما يتعلق بالشأن السوري كان سببه تلك الهدنة التي ربما نجحت حتى باستعادة الإرهابيين لقدراتهم؛ منها مثلاً الصواريخ المضادة للطيران، وأن نصدق أن عملية وأد المشاريع التي يسعون لتحقيقها على الأرض السورية ترتكز على أمرٍ أساسي: أن الكلام الأميركي عن استحالة استعادة كامل الأراضي مع تجدد الآمال بإمكانية إرسال قوات عربية إسلامية إلى سورية هو جزءٌ لا يتجزأ من مشروع التقسيم، لا يمكننا وقفه إلا بإعادة فتح معركتي حلب والرقة لأنهما بيضتا القبان في وقف هذين المشروعين، أما الباقي فهو تفاصيلٌ، فإذا كان السيسي غطى تمثال «إبراهيم باشا» الذي قضى على الدولة «السعودية» الأولى احتراماً لمشاعر ضيفه -كما نقل نشطاءٌ مصريون- فإنه لن يستطيع مع من يحالفهم أن يغطوا بعد اليوم دناءة ما يصبون إليه في سورية والمنطقة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن