قضايا وآراء

الانتخابات البرلمانية: رسالة السوريين السياسية…

| د. بسام أبو عبد الله 

تسأل نفسك لوهلة: لماذا هذا الاهتمام الغربي بالانتخابات البرلمانية السورية وهل تحول هذا الغرب مثلاً إلى ناظر- أو مخفر- أو محكمة يعطي شهادات حسن السلوك لهذا البلد أو ذاك، ويتدخل في تفاصيل لا تعنيه، إنما تعني الشعوب، وخياراتها!!!
وسائل الإعلام الغربية موجودة في دمشق، وتستطيع أن ترى، وتراقب، وهي تسأل، لماذا هذه الانتخابات في هذا الوقت؟! وهو سؤال تعرضنا له كثيراً خلال اليومين الماضيين، وكنا نقول لهم ما يلي:
1- الدستور السوري كُلّ لا يتجزأ، فلا يمكن أن نطبق جزءاً من الدستور ونتغاضى عن الجزء الآخر.
2- هذا استحقاق دستوري واجب الدولة أن تنفذه في موعده، وتحترم المواعيد الدستورية.
3- إن الغرب الذي يشك بالانتخابات التي تُجرى خارج إرادته، وأزلامه يجب أن يتذكر أنه أجرى انتخابات تحت سلطة احتلال في أفغانستان، والعراق، فما مقياس الشرعية لديه!! هل هو خاتم البيت الأبيض، أم الأليزيه، أم داونينغ ستريت!!
4- يعترف زعماء الغرب في كل يوم وآخرهم (باراك أوباما) بالأخطاء الكارثية التي ارتكبوها بحق بلدان وشعوب المنطقة، من اليمن، إلى سورية، فليبيا والعراق، ولكن ماذا تفيد تلاوة صكوك الندامة بعد أن أنتجت سياساتهم داعش، والنصرة، وبوكوحرام، والقاعدة، وليس قوى ديمقراطية- مدنية حضارية مؤمنة بأسس الحضارة المعاصرة، وقيم الإنسانية.
5- لا علاقة بين الاستحقاق الدستوري الحالي، وجنيف، ذلك أن مخرجات جنيف للحوار بين السوريين يجب أن تمر عبر الإرادة الشعبية، كما أن أي دستور جديد سوف يخضع لنفس الإرادة، وبالتالي عندما يتم التوصل إلى نتائج حقيقية- وواقعية، وقابلة للتطبيق فسوف يكون للأمر مقتضاه بما فيها إجراء انتخابات برلمانية جديدة يشارك فيها الجميع.
6- إن بعض من يشكك في الانتخابات الحالية يجب أن يتذكر أنه يجلس في الرياض، وليس في مكان يحترم الديمقراطية- والحريات، فالمعارضة التي تُمول من السعودية التي لا تمتلك دستوراً، وتقطع رؤوس الناس بالسيف، لا يحق لها التنظير علينا من هناك لأن الرياض ليست مدرسة لإنتاج الديمقراطية، وإنما مدرسة لنشر التطرف، والإرهاب، وثقافة الجهل والتخلف، والعمالة…
كثيرة هي الحجج، والذرائع التي يستطيعون الحديث عنها، ولدينا الرد عليها، ولكن يجب أن ندرك جميعاً أن الهدف الاستراتيجي لكل قوى العدوان على سورية هو تفكيك الدولة، ونزع الشرعية، ولو عدنا لخمس سنوات مضت لرأينا أن الأمر تركز على ذلك عبر:
– علم جديد شئنا أم أبينا!! من دون سؤال السوريين.
– مجلس إسطنبول للمعارضة!! أنهته هيلاري كلينتون بتصريح؟؟
– ائتلاف الدوحة، وفتح الآفاق له باعتباره (ممثلاً شرعياً للشعب السوري) وكأن الدول تمنح الشرعية وليس الشعب، وانتهى الائتلاف!!!
– حكومة سورية مؤقتة في غازي عنتاب!! انتهت، بعد أن فشلت في تحقيق المطلوب.
– محاولة تسليم مقعد سورية في الجامعة العربية!! وفشل لأنه صيغة غير قانونية، وغير ممكنة التحقيق!!
– شيطنة الجيش العربي السوري مع حرب نفسية قاسية فتارة سموه جيش النظام، وأخرى جيش الأسد.. إلخ، ومع ذلك اضطروا للاعتراف بوثيقة دولية بـ(القوات المسلحة للجمهورية العربية السورية).
– عقوبات اقتصادية، ومالية ممنهجة ظالمة، وأحادية الجانب.
– تدمير ممنهج لمؤسسات الدولة السورية في القطاعات كافة.
إذاً كل ذلك جرى طوال خمس سنوات، ووصلوا إلى حائط مسدود حيث تلقوا الصفعة الأولى في الانتخابات الرئاسية حزيران 2014، والآن الصفعة الثانية في انتخابات مجلس الشعب السوري 13 نيسان 2016.
رسالة السوريين هي وطنية، وسياسية، وهي رسالة مواجهة وتصد، ومقاومة للإرهاب، وداعميه، ولمحاولات الهيمنة على القرار الوطني السوري المستقل، ورسالة دفاع عن وحدة سورية واستقلالها، ورسالة دعم للجيش العربي السوري البطل، ورسالة تمسك بمؤسسات الدولة، والدستور، والحرص عليها.
تلك هي رسالة السوريين الحقيقية لمشهد البارحة، والتي لخصها جون كيري (الشعب السوري يقرر مستقبله بنفسه)، وهو ما يطمح إليه السوريون.
أما الفذلكة السياسية التي نسمعها من هنا، وهناك، فلا آذان مصغية لها في أوساط السوريين الذين يطمحون كغيرهم من الشعوب المحبة للسلام، والاستقرار، والأمن لحياة سياسية أفضل، ومعايير ديمقراطية عديدة، وهامش حريات، وكرامة إنسانية، ولكن كل هذه الشعارات، والعناوين لا قيمة لها وتبقى مجرد لافتات للتضليل يستخدمها الغرب، ومعارضته (لغاية في نفس يعقوب)، بينما نحن نريدها أن تكون حقيقية، وواقعاً ملموساً من أجل سورية أقوى، ومن أجل سورية أمنع، ومن أجل سورية العزة- والكرامة.
– من قال مثلاً- إننا راضون مئة بالمئة عن أسماء، ومرشحين، بالتأكيد لا!! ولكن في ظروف الحرب، والتحدي، وفي ظروف الوجود والبقاء وفي ظروف مواجهة التوحش، والإجرام، والقتل الذي يتعرض لها الشعب السوري، ودولته، ومؤسساته لن تكون رسائل السوريين إلا رسائل تحد لقوى العدوان، والإرهاب، رسائل سياسية- رسائل تريد القول بوضوح: الشعب السوري هو صاحب القرار، ومصدر الإرادة، والسلطات، ألستم أنتم في الغرب من يُنظر على العالم بذلك؟!
أما حين يقرر السوريون مخرجات أخرى لحوارهم الوطني- فلا أعتقد أن أحداً يعترض على خوض معارك انتخابية أخرى من أجل رفعة سورية، وليس من أجل إرضاء هذا الطرف أو ذاك.
إن وطن الشهداء (سورية) الذي كتب بالدم على صفحات تاريخ العالم اسمه، وواجه أبشع مشروع عدواني يتعرض له شعب منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، يمتلك الإرادة، والحضارة ليكتب بالحبر تجربته الديمقراطية الجديدة عندما يتفق السوريون بإرادتهم الوطنية على تحديد مستقبل سورية، وشكل النظام السياسي الذي يريدونه.
أما الآن فالرسالة السياسية يجب أن تُقرأ بعناية، وتؤخذ بالاعتبار والتي تقول: لا تحلموا بما فشلتم به عبر الإرهاب، والقتل أن تأخذوه بالسياسة، ولتتفضلوا إلى صناديق الاقتراع وتتوقفوا عن إرسال صناديق الذخيرة التي لن تنتج للسوريين سوى الخراب والدمار…

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن