ثقافة وفن

الفن السوري وملامح النضال في عيد الجلاء … مسلسلات وثقت بطولات الثوار زمن الاحتلال الفرنسي وأغنيات تغنت بالملحمة الكبرى .. رسالة وطنية لدحر الاستعمار وانتزاع الاستقلال

| وائل العدس

لعب الفن السوري دوراً بارزاً في مواجهة الاستعمار الفرنسي منذ الوهلة الأولى لوطأة جنوده أرض الوطن، فقاوم بالكلمة واللحن حتى انتزاع الاستقلال، ثم وثق بطولات الثوار أمام الاحتلال في مسلسلات درامية.
وتنفرد سورية بمفهوم الثقافة عن مثيلاتها في مناطق أخرى بخصائص فرضتها حقائق استثنائية تمثلت في وقوعها على خط المواجهة أمام أعداء الإنسانية الذين دأبوا على شن حروب ظلامية، فشرعت دوماً في مواجهة المشروع الاستعماري بالتأكيد على الهوية الثقافية، هذه الهوية تشمل عناصر مختلفة، وتجمع بين أنماط حياة مميزة وبين الفنون والثقافة التي نتميز بها، كما أنها تتعلق بالدراما والموسيقا والمسرح والرقص والشعر والفلكور.. إلخ.
كثير من المسلسلات والأغنيات رصدت جلاء المحتل عن سورية، نوردها لكم عبر السطور القادمة:

انتزاع الاستقلال
لعل أشهر الأعمال التي رصدت تلك المرحلة المفصلية من تاريخ سورية مسلسل «هجرة القلوب إلى القلوب» (1991) الذي كتبه عبد النبي حجازي وأخرجه هيثم حقي، حيث يتكلم عن بلدة صغيرة اسمها «الركنية» ويوثق من خلال هذه القرية الواقع السوري في الفترة الزمنية مع بداية الثلاثينيات من القرن الماضي ويمر على الصراع بين المجتمعين البدوي والحضري ومن ثم يتكلم عن انعكاسات الحرب العالمية الثانية على السياسية السورية في ذلك الحين وقيام الثورة السورية الكبرى وانخراط جميع شرائح المجتمع بها ومن ثم خروج المستعمر الفرنسي من البلاد وانتزاع الاستقلال منه ويشير الى دور الأشخاص المتلونين من الشعب السوري الذين ساهموا باستمرار في نشر الأفكار الاستعمارية رغم خروج المستعمر، ويظهر من جهة أخرى قوة الشعب عبر تماسكه والتحامه لمجابهة الاستبداد.
وأدى أدوار البطولة: خالد تاجا، وبسام كوسا، ويوسف حنا، وسليم كلاس، وحسن دكاك، وأسعد فضة، وعباس النوري، وسمر سامي، وعدنان بركات، ومنى واصف، وهاني الروماني، وأيمن زيدان، وعارف الطويل، ونجاح حفيظ.

بطولة شعب
كما أن مسلسل «أيام الغضب» (1996) الذي أخرجه باسل الخطيب تناول مرحلة بداية الاستعمار، ويذهب إلى قرية سورية ليلقي الضوء على بطولة الشعب في مقاومة المستعمر الفرنسي.
ويدور العمل حول (ضرغام)، الرجل الذي أراد أن يعيش حراً، فقرر من بين همساته وصرخاته أن يستقطب أهل بلدته ويُحيي بداخلهم أسمى القيم الوطنية والإنسانية لمواجهة الواقع الجديد الذي يفرضه الاحتلال الفرنسي عليهم، ونشهد رحلته بما زخرت به من عقبات وعوائق.
ويؤدي أدوار البطولة فيه: خالد تاجا، وأيمن زيدان، وفرح بسيسو، وعابد فهد، وأنطوانيت نجيب، وأحمد رافع، وغسان مسعود، وجيهان عبد العظيم، وشكران مرتجى، ووائل رمضان، وتوفيق اسكندر، وعبد الفتاح المزين، وكارمن لبس.

أرضية تسجيلية
وأيضاً «حمّام القيشاني» ( الأول عام 1991) الذي كتبه دياب عيد وأخرجه هاني الروماني في خمسة أجزاء، وهو دراما اجتماعية سياسية تجري أحداثها على أرضية تسجيلية لواقع من تاريخ سورية منذ قصف دمشق والبرلمان قبل إعلان الجلاء بأشهر وحتى تسلم الكتلة الوطنية الحكم بعد سنوات.
يبدأ العمل قبيل الجلاء، وحفل بشيء من التشويق من خلال محاولة أبناء أحد المتعاونين مع الاحتلال تنظيف صفحة أبيهم حيث يلاحقون ابن الشهيد ويحاولون إلصاق التهم الشائنة به لينسى الناس فعلة أبيهم، لكن الشخصية الوطنية تنتصر في النهاية ويتحقق الاستقلال.
كما واصل العمل الحديث عن تاريخ سورية في أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي، حيث تتضمن الفترة سنتين تقريباً من عهد الوحدة بين سورية ومصر، وهما السنتان الأخيرتان من عمر الوحدة ومن ثم الانفصال الذي قام في سورية وبعده بسنة ونصف قيام ثورة الثامن من آذار عام 1963.
ولعب أدوار البطولة فيه: سلمى المصري، وسلوم حداد، وطلحت حمدي، وصباح جزائري، وعابد فهد، وأمل عرفة، ونبيلة النابلسي، وعارف الطويل، ولينا حوارنة، وسعد مينه، وليلى جبر، وزهير عبد الكريم، ونبيلة النابلسي، وديمة الجندي، ومحمد الحريري، وسوسن ميخائيل، وفرح بسيسو، وصباح بركات.

تعاون شعبي
بدوره فإن مسلسل (الرجال والضباب) الذي كتبه رضوان عقيلي وأخرجه جميل ولاية يحكي أحداث الثورة السورية الكبرى ضد الاحتلال الفرنسي، ويظهر تعاون مختلف فئات الشعب في مواجهة الاحتلال وتفاعلهم مع النضال.
العمل من بطولة: عدنان بركات، وهاني الروماني، وسلوى سعيد، وتيسير السعدي، ومها المصري، وصلاح قصاص، وأديب شحادة، وبسام لطفي، وعصام عبجي، وأحمد أيوب، ونجاح حفيظ، وأدهم الملا، ومحمد الحريري، وصبحي الرفاعي، وضحى الدبس، وبشار إسماعيل، ومحمد طرقجي، وعدنان عجلوني.

روايتان لـ «حنا مينه»
للروائي الكبير حنا مينه روايتان تحولتا إلى عملين دراميين، أولهما مسلسل «نهاية رجل شجاع» (1994) للمخرج نجدة إسماعيل أنزور وسيناريو وحوار حسن م يوسف، ويتحدث عن «مفيد الوحش» ابن القرية الريفي البسيط والقبضاي، الذي شحذته الحياة البسيطة والقاسية وجعلت منه شخصاً قاسي الملامح حاد النظرة، تتطور شخصيته باتجاه تصاعدي ضمن المقاومة الوطنية للاستعمار الفرنسي وفي سجون الاحتلال لتجعل منه وطنياً يحلم بالحرية والحياة، فتتعاظم قوة الوحش بداخله ويتعاظم معها إيمانه بالمقاومة كسبيل وحيد للتحرر، عندها يتحول الفتى إلى أسطورة ليتغنى الجميع بقوته وشجاعته.
ومثل فيه: أيمن زيدان، وسوزان نجم الدين، وآندريه سكاف، وعبد الرحمن آل رشي، وسعد مينه، وعارف الطويل، وأيمن رضا، وهاني الروماني، وخالد تاجا، ومنى واصف، ونجاح حفيظ، وهدى شعراوي، وعصام عبجي.
وفي رواية حنا مينه الثانية «المصابيح الزرق» (2012) مسلسل أخرجه فهد ميري، وكتب السيناريو محمود عبد الكريم، وتدور أحداثه في الفترة من 1939 إلى 1945 وهي فترة الكفاح السوري ضد الاحتلال الفرنسي من خلال استعراض الأحداث الجارية في تلك الفترة وإلقاء الضوء على عدة شخصيات وعلاقاتهم الاجتماعية والسياسية.
ومثل فيه: سلاف فواخرجي، وأسعد فضة، وغسان مسعود، وسحر فوزي، وزهير رمضان، وآندريه سكاف، وتولاي هارون، وجرجس جبارة، وضحى الدبس، ومحمد الأحمد، وسعيد الآغا.

البيئة الشامية
ولم تخل أعمال البيئة الشامية من مشاهد الصمود ضد العدوان، ومنها «باب الحارة» (الأول عام 2006) للمخرج بسام الملا، ومثل بأجزائه السبعة عدة جوانب اجتماعية وسياسية مهمة من خلال التكافل الاجتماعي، وصلة الرحم وانتصار الخير على الشر، وقوة ومتانة الأسرة، وتظهر فيه مظاهر الالتحام والمحافظة على العرض والشرف، ويعكس واقع الحارة السورية وصمودها ومقاومتها للاحتلال الفرنسي، وهو من بطولة: عبد الرحمن آل رشي، وعباس النوري، وصباح جزائري، وميلاد يوسف، وأمية ملص، ومحمد قنوع، ووائل شرف، ووفاء موصللي.
وأيضاً «طاحون الشر» بجزأيه ( الأول عام 2012) من تأليف مروان قاووق وإخراج ناجي طعمي، ويرصد العمل فترة الاحتلال الفرنسي في سورية، ومعظم حكاياته شعبية اجتماعية لكنه يتضمن خطاً سياسياً هو النضال ضد الاحتلال من الثوار في تلك الفترة، وهو من بطولة: منى واصف، ورفيق سبيعي، وبسام كوسا، وسليم كلاس، ورنا شميس، وليليا الأطرش، ووفيق الزعيم، وأمية ملص، وسحر فوزي، ومحمد خير الجراح، ولينا حوارنة، ولمى إبراهيم، ومرح جبر.
كما أن مسلسل «الزعيم» (2011) من تأليف وفيق الزعيم وإخراج مؤمن الملا، ويتناول حقبة زمنية واسعة مرت بها مدينة دمشق من عام 1918، قبل احتلالها من الفرنسيين وحتى عام 1948، ومثل فيه: خالد تاجا، ومنى واصف، وسليم صبري، وثناء دبسي، وأمل عرفة، وعبد المنعم عمايري.
وبالعودة إلى الوراء، نجد أن مسلسل «أبو كامل» (1991) من تأليف فؤاد شربجي وإخراج علاء الدين كوكش تناول فترة الاستعمار الفرنسي على سورية، وعكس البيئة الشامية التقليدية من خلال قصه رئيسية تدور حول «أبو كامل» وحكايات جانبية عن الوطنيين، وحلم الثورة من جهة وأطماع البعض بالمناصب من جهة ثانية، لكن الجزء الثاني تحول في طريقة تعاطيه مع فترة الاحتلال بالتركيز حول آثار الاحتلال على الحياة الاجتماعية.
ومثل فيه: أسعد فضة، ووفاء موصللي، وعباس النوري، ومرح جبر، ويوسف حنا، وصباح عبيد، وعبد الفتاح مزين، وملك سكر، وحسن دكاك، وسلوم حداد، وعدنان بركات، ومنى واصف، ونزار شرابي، وتيسير إدريس.
أغنيات وطنية
بالانتقال إلى الأغاني التي قدمت خصيصاً لهذه المناسبة، تبرز ثلاث أغنيات في العصر الحديث، أولها أطلقها مصطفى الخاني في يوم الجلاء قبل خمس سنوات، واستعار من شخصية «النمس» في «باب الحارة» عباراته.
وتحمل الأغنية عنوان «لعيونك يا شام» كتبها ولحنها بنفسه، ويقول في مطلعها «هلا والله، أي والله، حي الله، لعيونك يا عقيد، يا كبير هالرقبة سدادة، والعين بالدمع للغالي مدادة… عقيدنا منحبك، ونحن يلي اللـه حامينا».
وفي العام الذي يليه أصدر الخاني أيضاً أغنية ثانية بعنوان «قسم الوطن» بمشاركة المخرج نجدة أنزور وكلمات محمود عبد الكريم.
أما الفنان الراحل والكبير عبد الرحمن آل رشي فقدم أغنية خاصة للجلاء بعنوان «أنا سوري آه يا نيالي»، حيث يقول فيها « لالي لالي لالي، ياعلمنا لالي بالعالي، تحت جناحه أنا بتفيا أنا سوري آه يا نيالي، رجال الثورة هالأبطال الشمس اللي بتسطع وما بتنطال، جبر فرنسا ع الترحال، فدا العرب روحي ومالي».
وفي مقطع آخر «صد فرنسا بالمقلاع وقاله يا محتل اطلع، بيي وجدي قالوا سماع، تراب الوطن ع الروح غالي».
وفي العصر السوري القديم، كان نشيد «نحن لا نرضى بالحماية» الذي نظمه ولحنه الموسيقي السوري مصطفى الصواف، ونشيد «يا ظلام السجن خيم» الذي كتبه الشاعر والصحفي السوري نجيب الريس خلال اعتقاله من قوات الاحتلال الفرنسي في سجن جزيرة أرواد سنة 1922 ولحنه الموسيقي أحمد الأوبري وغناه صالح المحبك.
ولحن الموسيقار محمد عبد الوهاب قصيدة «سلام من صبا بردى» للشاعر أحمد شوقي في أعقاب عدوان 29 أيار سنة 1945 الذي كان آخر فصل في الجرائم التي ارتكبها الاحتلال بحق الشعب السوري.
وفي مرحلة ما بعد الجلاء ظهرت مجموعة من الأغاني الوطنية، منها قصيدة «جلونا الفاتحين» للشاعر بدوي الجبل ولحن الموسيقي محمد محسن وغناء المطربة سعاد محمد، وقصيدة «يا عروس المجد» للشاعر عمر أبو ريشة ولحن اللبناني فلمون وهبي وغناء المطربة سلوى مدحت.
وجاءت بعدها أغنية «مرحب هلا عيد الجلا» للفنان رفيق سبيعي من نظم وألحان الفنان شاكر بريخان، و«عيد الجلاء» من نظم الشاعر فوزي المغربي وألحان وغناء نجيب السراج، فضلاً عن مساهمة المطرب الراحل فهد بلان بأغنيتين في هذه المناسبة هما «سباع الفلا» و«حكاية جدي».
وهناك مساهمة للفنان الشعبي سلامة الأغواني في هذه الأغاني وخاصة التي هاجم فيها المستعمر الفرنسي عندما قال «الأرض أرضنا والبيت لأبونا وبأيا عين جايين تنهبونا».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن