اقتصاد

سرطان مصرفي

| علي هاشم 

ما قاله مدير المصرف الصناعي في معرض غمزه الصريح من قناة سياساتنا المصرفية خلال السنوات الأخيرة، يتعدى وصفه بالانتقاد، حتى ليمكن اعتباره «عبوة محلية من باطن الحكومة»، صنعتها أياد مصرفية معنية بتنمية الإنتاج الوطني كما هي حال مؤسسته، وزرعتها أسفل المنصة الشعاراتية التي «ترعد» الحكومة من أعلاها لدى تغزلها بنجاعة سياساتها الاقتصادية، و«تزبد» فوق سطحها وهي تسوق سرديتها المملة عما استنهضته من إنتاج.
يعيد كلام «الصناعي» الاعتبار لأهمية العبوات الناسفة في نقد السياسات الحكومية بالفعل، تحدث الرجل عن «فضيحة» معالجة القروض المتعثرة وشح عدد المقبلين على تسويتها، مفصحاً عن مقترحات ناجعة تحاكي ما طرحه رئيس اتحاد غرف الصناعة قبل أشهر، كانت المصارف قد تقدمت بها سابقاً لدفع عجلة الإنتاج المتوقفة جراء التعثر القهري الذي فرضته الحرب.. تعثر لطالما ساقته الحكومة، وبشكل مبالغ فيه، لتسويغ فشلها هنا وهناك وهنالك، وصمت أذنيها عن قبوله مسوغاً لتعثر المنتجين!
أثار «الصناعي» أيضاً قضية «القروض التشغيلية» التي ما زلنا نعوم للشهر الرابع على التوالي في مستنقع تطبيقها، وللعام الثاني من اقتراحها كحل «سحري» لاستنهاض الإنتاج، مفصحاً -بصراحة- عن وضع الجهات الوصائية مسبقاً بصورة «أنها لن تلقى نجاحاً مطلقاً»، متناولاً «عبثية» مدة القرض وسعر فائدته وشريحته المستهدفة وشروط الإقراض.. وبرغم ذلك فما زال هنالك من يعول عليها!
في مختصره، قال «مقرض الإنتاج الصناعي»: سياستنا المصرفية عدمية مشحونة بإصرار مذهل على تجاهل التلميحات والإشارات واللكزات التي تعبد طريقنا الخاطئ نحو إعادة التوازن للاقتصاد الوطني، وقال: إن بقاء الأمور على ما هي عليه، يعني مزيداً من تقويض النمو وزيادة معدلات البطالة وإبقاء فتائل التفجير معلقة في رقبة النقد، وإن على منتظري «المائدة من سماء» الاقتصاد تفحص كفايتهم الإيمانية حيال قوانينه، أولاً!
وبرغم ما تنطوي عليه مشاركة غير المختصين من مخاطرة كبيرة في اقتراح الحلول، فإن انسداد قريحة «المختصين» الإبداعية تشحن الشجاعة على إتيان الأمر: في الطب -يقول المختصون- لا أسهل من قتل «السرطان» بلمحة بصر، إلا أن التحدي يكمن في عدم قتل مريضه معه، وبالقياس، يمكننا النظر بريبة إلى «إكسير» رفع أسعار الفائدة الذي اعتمدناه لمواجهة التضخم والحد من المضاربة على الليرة، ففي الوقت الذي يمكننا المجادلة حول نجاحه في مكافحة سرطان التضخم والمضاربة، فلربما لا تتوافر مساحة كافية للاختلاف حول دوره في قتل قدرتنا على استعادة الإنتاج أولاً، واقتصادنا تالياً!
بالطبع، ثمة ضرورات منطقية لبقاء سعر الفائدة الدائنة على الودائع عند مستوياتها، إلا أن علاقتها الجدلية مع ارتفاع الفائدة المدينة على التسهيلات يحاكي «الإكسير القاتل»، ولربما قد آن الأوان بالمختصين للبحث عن آليات ناجعة من عيار اعتماد سعرين متباينين للفائدة الدائنة ضمن شروط صارمة تكفل قتل السرطان فقط!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن