اقتصاد

كلام الحاكم ليس مجانياً

علي نزار الآغا:

عادةً ما يكون لحديث محافظي البنوك المركزية حول العالم أهمية خاصة، فكل كلمة محسوبة بدقة، ولكل إشارة أو حركة مغزى، وحتى نبرة الحديث لها دلالاتها في أسواق الصرف، إذ تتحسن العملة التي يصدرها البنك المركزي ويزداد الطلب عليها مع المعلومات الإيجابية التي يصرّح بها محافظ البنك بدءاً من اللهجة التفاؤلية المستخدمة في الحديث.
وفي المقابل قد يزداد عرض العملة لتفقد شيئاً من قيمتها أمام العملات الأجنبية عند التصريح ببيانات اقتصادية ونقدية سلبية، وقد تبدأ عمليات بيع العملة عندما تتغير لهجة المحافظ، وظهور ملامح عدم اليقين فيما يستعرضه من معلومات وما يطلقه من وعود.
ولعل العامل الحاسم في دقة تأثير حديث محافظي البنوك المركزية في أسواق الصرف؛ مرتبط بعامل الثقة، الذي تبنى على أساسه السياسة النقدية في جميع الاقتصاديات.
لذا فمن غير المقبول أن تكون تصريحات محافظ البنك المركزي غير دقيقة، أو وعوده غير قابلة للتحقق، فالمسألة متعلقة بالثقة؛ جوهر السياسة النقدية، ومصدر نجاحها الوحيد.
وكمثال عملي على ذلك، نذكر تجربة حاكم مصرف سورية المركزي خلال لقائه التجار في غرفة تجارة دمشق وريفها مؤخراً، حين صرّح بأنه سيتم تخفيض الدولار 30 ليرة خلال يومين، وكان ذلك يوم الثلاثاء الواقع في التاسع عشر من شهر أيار الذي ينتهي اليوم، وعلى ذلك يجب أن ينخفض الدولار 30 ليرة مع نهاية يوم الخميس الحادي والعشرين من أيار. وهذا ما لم يتحقق حتى تاريخه، أي حتى بعد مرور 12 يوماً على إطلاق التصريح!
ومن الجدير التنويه بأننا لا نقصد شخص حاكم مصرف سورية المركزي بذاته، وإنما نستعرض حالة تكررت عدة مرات خلال تصريحات الحاكم، قد تؤثر سلباً في عامل الثقة بين المصرف المركزي والمواطنين. فكلام الحاكم ليس مجانياً، ولا يجب أن يكون لتصريحاته أي وظيفة أخرى غير تعزيز الثقة بين المصرف وبين المواطنين، وذلك من خلال عرض الحقائق والبيانات التي يرى بأنها دقيقة ومفيدة، ولا يمكن استغلالها من قبل المضاربين وأعداء الوطن.
فتضرر الثقة بين المصرف المركزي والمواطنين أسهل بكثير من عملية بنائها وتعزيزها، فتصريح واحد غير دقيق أو وعد غير قابل للتحقق؛ كفيل بأن يؤثر سلباً في الثقة، في حين يتطلب بناؤها وتعزيزها سنوات من العمل المقنع بنتائجه الاقتصادية والنقدية.
وإن كان للحاكم أهداف وغايات إعلامية من بعض تصريحاته، فينبغي أن تكون مدروسة بشكل أفضل.
دون أن نشكك بأن لعدم تخفيض الدولار في الوقت المحدد بالتصريح الأخير غاية وهدفاً قد نلمسه خلال الأيام القادمة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن