قضايا وآراء

وسط تضارب المصالح هل من أمل في جنيف الجديد؟

| صياح عزام 

أضحت سورية في ظل الحرب الإرهابية التي تُشن عليها منذ أكثر من خمس سنوات محطة لتضارب المصالح الدولية، وفضاءً واسعاً لإدارة معارك إقليمية مختلفة الأهداف لا تمتّ بصلة إلى ما يُسمى «بالثورة أو المطالبة بالعدالة والإصلاح»، الأمر الذي يجعل مسألة التوصّل إلى حل سياسي للأزمة في سورية أمراً معقداً، ما دامت لم تتحقق مصالح ورغبات وإرادات هذه الجهات الإقليمية والدولية.
مع انعقاد مؤتمر جنيف في دورته الثالثة لاحت في الأجواء آمال حول إمكانية التوصل إلى حلول تحقن الدماء السورية وتضع حدّاً لجرائم المجموعات الإرهابية، ولاسيما بعد تداعيات الأحداث السورية، سواء بالنسبة لظاهرة التهجير القسري واللهاث وراء طلب اللجوء، ما أربك الحكومات الأوروبية وعرّضها لضغوطات وتحديات كبيرة استثمرتها تركيا ولا تزال لمصلتحها، أو بالنسبة للتداعيات الخطرة الناتجة عن تمددات المجموعات الإرهابية، وخاصة منها داعش، التي وسّعت عملياتها لتطول عواصم أوروبية كبرى مثل «باريس وبروكسل»، حيث إن كل هذه التداعيات شكَّلت عوامل دعمت التوجّه الجادّ للبحث عن حل سياسي للأزمة في سورية الناتجة عن الإرهاب المُتفشّي فيها.
لا شك بأن الاتصالات والتصريحات الأخيرة للقوى الدولية الكبرى وخاصة روسيا وأمريكا، تشير إلى وجود حدّ من التوافق بصدد ما يجري في سورية وضرورة إيجاد مخرج لذلك، ما أدى إلى بدء الحديث عن الحل السياسي كأساس محدد للتفاوض مع استبعاد طرح نقطة خلافية كبيرة مُتمثلة في مستقبل الرئيس الأسد، كما كانت تطالب السعودية وقطر وتركيا (والولايات المتحدة في مرحلة سابقة)، وهو ما رسّخته أيضاً ورقة المبعوث الأممي إلى سورية «ستيفان دي ميستورا» التي حملت عدة مقترحات وتوصيات بشأن تشكيل حكومة مُوسَّعة، وإقرار دستور جديد، وإجراء انتخابات، والتأكيد على تدابير اللامركزية من دون الإشارة إلى أي تقسيم، أو نظام فيدرالي أصرّت عليه بعض القوى الكردية السورية.
وعندما تدخلت روسيا عسكرياً، بناءً على طلب من الدولة السورية للمساعدة في محاربة الإرهاب وخاصة تنظيم داعش الذي كان في أوج قوته حيث سيطر على مساحات واسعة من الأراضي السورية وروّع السوريين بجرائمه وممارساته المتطرفة واللاإنسانية، ضيّقت الخناق على هذا التنظيم وألحقت به هزائم كبيرة في تدمر والقريتين وأرياف حمص وحماة.
وبعد اتفاق وقف الأعمال القتالية الذي رعته روسيا وأمريكا، جاء القرار الروسي بسحب جزء من القوات الروسية الذي خضع لتفسيرات متعددة وأثار العديد من الأسئلة حول ما إذا كان قد جاء لتوفير الأجواء المناسبة لمفاوضات جنيف، وهذا هو التفسير الأصح من التفسير الآخر الذي رأى أصحابه أنه بوابة التخلّي الروسي عن سورية، علماً بأن روسيا أكدت أن قواتها المُنسحبة يمكن أن تعود في أية لحظة إذا استدعت الضرورة ذلك.
إضافة إلى ذلك، فإن التدخل العسكري الروسي في سورية، رسّخ صورة واضحة بأن روسيا تحارب الإرهاب بشكلٍ جدّي وفعّال، خلافاً لما قام به التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن كما رسخ من جهة أخرى صورة عن روسيا كقطبٍ دوليّ وازن يُسهم في تحقيق السلم والأمن الدوليين، وأدى أيضاً إلى ظهور مواقف أوروبية مُهادنة للتدخل الروسي سواء في سورية أو في أوكرانيا.
والآن مع اقتراب بدء الجولة الجديدة من التفاوض في جنيف يظّل السؤال المحوري المطروح هو، حول ما إذا كانت المعارضات السورية، وخاصة الخارجية منها ومن يقف وراءها، جادة في التوصل إلى حل يحفظ وحدة الأراضي السورية، ويُوقف مسلسل سفك الدماء السورية ويضع حداً للأطراف الإقليمية المعروفة بدورها المشبوه في استمرار تصعيد هذه الحرب الإرهابية على سورية وفيها، من خلال دعمها للإرهابيين بالمال والسلاح والمرتزقة، والأهم من ذلك أن تكون الولايات المتحدة جادة في التعاون مع روسيا باتجاه وضع حدّ لهذه الأطراف الإقليمية التي عطلت ولا تزال الجهود الرامية إلى إنهاء هذه الأزمة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن