قضايا وآراء

بين «القمة الإسلامية و «ورقة دي ميستورا»

| فرنسا – فراس عزيز ديب

عندما تعلن الحكومة «الإسرائيلية» أنها ستعقد اجتماعها اليوم في الجولان السوري المحتل، بل تذهب المعلومات الصحفية لحد القول إن نتنياهو سيُبلِّغ بوتين رسمياً بأن «إسرائيل» لن تتنازل عن الجولان المحتل مستقبلاً، فهذا الأمر يجعلنا نذِّكر المتهكمين على فكرة المؤامرة بأن ما يجري في «جنيف» خصوصاً والمنطقة عموماً، لا يمكن اختصاره فقط بـ«حلٍ سياسي للأزمة السورية». بل هو إعادة تشكيل المنطقة من جديد، وهذا الأمر يبدو فيه «جنيف» تفصيلاً بسيطاً، فـ«الإسرائيليون» بدوا وكأنهم يدركون أن سطور الحل بدأت، لكنهم لم يحاولوا التملص من أي التزامٍ بما يتعلق بهم فحسب، لكنهم كذلك الأمر يحاولون الاستثمار في كل صغيرةٍ وكبيرةٍ على مستوى المنطقة لضمان تحقيق مايصبون إليه، إن كان عبر تبني رعاة الحرب على سورية لخطابِهم، أو في التفصيلات الصغيرة التي يحاول «دي ميستورا» تكريسها كقواعد أساسية للحل السياسي في سورية، فكيف ذلك؟
في مؤتمره الصحفي قبل أمس، أكد رئيس الوفد الرسمي لمفاوضات «جنيف» الدكتور «بشار الجعفري» أن الوفد اجتمع مع «دي ميستورا» وسلَّمه مقترحات سوريّة للتعديل على الورقة التي كان قد تقدم بها الوسيط الدولي نهاية الجولة الماضية، وأن جوابه سيكون صباح الإثنين القادم.
بالتأكيد لا ندّعي أننا اطلعنا على بنود المقترحات الرسمية للتعديل؛ لكن ومن خلال فهمنا للآلية التي تفكر بها القيادة السورية قد نستطيع أن نستشف أهم البنود التي قد تم طلب تعديلها، فالورقة التي سلمها «دي ميستورا» وإن كانت تنطلق في الكثير من جوانبها من وجهة النظر الرسمية، لكن هذا لا يمنع أن الشيطان يكمن في التفاصيل، فما بالنا إن كان بعض التفاصيل يتراقص حولها الكثير من الشياطين.
إن الكلام «الإسرائيلي» عن عدم الانسحاب من الجولان السوري المحتل، لا يمكن فصله عن المادة الأولى من الوثيقة والتي تتحدث عن ضرورة استعادة الجولان بـ«الطرق السلمية»، مع تجاهلٍ كاملٍ لقضيةِ «لواء إسكندرون المحتل». هي مقاربةٌ بسيطةٌ، إذا كانت «إسرائيل» ترفض إعادة الجولان المحتل ضمنَ أي اتفاقٍ، وإذا كانت وثيقة «دي ميستورا» تُلزم السوريين بالعمل سلمياً لاستعادة الجولان، إذاً كيف سيعود الجولان؟
هذه الفقرة تبدو في النهاية وكأنها بند من بنود «أوسلو» مع فارقٍ بسيط هو أن الاتفاق هناك كان بين المحتل ومن ادّعى أنه صاحب الحق، أما هنا فهو اتفاقٌ بين الأدوات السياسية للمحتل وصاحب الحق، ثم إذا كان «دي ميستورا» يتحدث عن الأمم المتحدة فلماذا لا يكون هناك بندٌ يدعو «إسرائيل» لتطبيق قرارات مجلس الأمن حول الانسحاب من «الأراضي المحتلة»؟ مع تذكير «دي ميستورا» أن ميثاق الأمم المتحدة شرَّع للدول العمل بأي وسيلةٍ بما فيها العسكرية لاستعادة الأراضي المحتلة.
أما المادة العاشرة من الوثيقة فهي ليست مرتبطةٌ بالكلام «الإسرائيلي» فحسب، لكنها تبدو استكمالاً للمادة الأولى، فعندما يتحدث عن إعادة بناء «جيش وطني موحد»، فهذا الأمر يفترض أن الجيش العربي السوري أساساً غير وطني ومنقسم، وأن التشكيلات الإرهابية المسلحة هي تكتلاتٌ موازيةٌ للجيش السوري. الأخطر من ذلك أن الحديث عن إعادة بناء الجيوش لا يكون مرتبطاً بالشكل التنظيمي بقدر مايكون الهدف الأساسي هو «العقيدة القتالية»، فما العقيدة القتالية التي سيُبنى عليها الجيش الذي يريد «دي ميستورا» بناءه، وهو أساساً يفترض أن السلام مع «إسرائيل» سيكون تحصيل حاصل؟
مع الأيام ربما سنتأكد أن الرغبة «الإسرائيلية» لا تبدو وحدها ملهم «دي ميستورا»، لكن هناك أيضاً حلف «الاعتدال» في المنطقة والذي لا يبدو بأي حالٍ من الأحوال منفصلاً عن الرغبة «الإسرائيلية»، لكن لكلٍّ اتجاهه، فما الذي يريده هؤلاء؟
علينا أن نعترف أن الصمود السوري أسقطَ قبلاً منظومة «الجامعة العربية» كأداةٍ، وهو نجح حالياً بإسقاط منظومة ما يُسمى «التعاون الإسلامي». كان الأمر مضحكاً أن يتحدث «أردوغان» عن أهمية «التعاون الإسلامي» فيما هو ووزير خارجية مصر لم يتصافحا!! هذه جزئيةٌ تعطينا مثالاً عن أهمية هكذا أنواع من القمم المبنية على تكتلاتٍ عفا عنها الزمن.
لكن في المقابل، علينا أن نعترف أن بيان القمة فيه من الأشياء ما يمكننا إسقاطها على ورقة «دي ميستورا»، فليس غريباً مثلاً أن الورقة تدعو سورية لأن تكون دولةً «تنبذ الإرهاب» وتوقف نشاط «المنظمات الإرهابية»، وفي الوقت ذاته فإن البيان الختامي للقمة شدَّد على اعتبار أن بعض نشاطات حزب اللـه «إرهابيةٍ»، هذا دون أن ننسى الحملة التي شنها نظام «آل سعود» لشيطنة الحزب في الأسابيع الماضية، فهل هذا البند له علاقةٌ بشكل سورية المستقبلي؟ ليس ذلك فحسب، فالإصرار على تجاهل مبدأ «علمانية الدولة» من دي ميستورا لا يقودنا لكلامٍ «أردوغان» الذي قاله قبل ساعاتٍ من القمة عن ضرورة وجود دولة «مسلمة» ذات صفةٍ دائمةٍ في مجلس الأمن، بل أبعد من ذلك، هذا الأمر يجعلنا نتأكد أن محاولة إبقاء دول هذه المنطقة محكومةً بهاجسَي «التمذهب والحديد» لن تتوقف ولن يُسمح لها بالخروج من هذه البوتقة لأن السيطرة عليها تبقى أسهل، حتى لو كانت تلك الدول «ديمقراطيةً شكلاً» فالعلمانية حالةٌ أوسع من مفهوم الديمقراطية، وهم لا يريدون للسوريين أن يخرجوا من هذه العباءة التي يبدو فيها جميع المؤثرين بالملف السوري (دون استثناء) مستفيداً، لكن ماذا سيكون رد دي ميستورا؟
لنعترف أن أجوبة «دي ميستورا» ستكون مرتبطةً بشكلٍ أساسي بما يريده «الإسرائيلي» ومعه حلف «الاعتدال»، الذين أنقذوا أدواتهم مسبقاً بتلك الهدنة «المشؤومة»، وهذه النقاط لديهم جوهريةٌ، وليس من السهولة بمكان أن يتنازلوا عنها، حتى «معارضة الرياض» لا تملك القرار أن ترفض أو أن توافق، مع العلم أن «معارضة الرياض» على علاَّتها باتت تملك رؤيةً أفضل من الرئيسين الفرنسي أو المصري، على الأقل إن سألناهم ماذا تريدون من «جنيف»؟ لكان جوابهم نريد «إسقاط النظام»، لكن ماذا يريد هولاند أو السيسي؟!
الرئيس المصري مثلاً ومع تكرار ما سميناه يوماً «الضياع الإستراتيجي»، انتقل من طرح «توطين الفلسطينيين في سيناء مقابل التنازل عن حق العودة»، إلى التوصل لاتفاقٍ مجحف بحق مصر في سد النهضة، وصولاً لتنازله عن الجزر المصرية لـ«آل سعود». الأمر لم يدفع المصريين لإدانة هذا التصرف فحسب، بل دفع السودانيين أيضاً لمطالبة حكومتهم باستعادة «حلايب» و«شلاتين» كون البازار لا يزال مفتوحاً.
المشكلة أن السيسي أوصل الشعب لنقطة اللاعودة، فإن تصاعدت الاحتجاجات ماذا سيقابلها؟ هذا دون أن ننسى فرضية أن الجميع مستفيدٌ من الفوضى بمن فيهم المروجون لولاية «سانت كاترين الطائفية» جنوب سيناء، والأهم أن النخبة المصرية كانوا ولا يزالون ينامون بالعسل، بقولهم إن مصر ليست سورية، وفاتهم أن مصر ليست سورية لأنها أساساً تحوي «سفارةً إسرائيلية»، وهي مرتبطةٌ بالمساعدات الأميركية مسبقاً والخليجية حالياً. مصر ليست سورية؛ ليس لأنكم تفوقون الشعب السوري تحضراً كما تدّعون، بل لأنه يفوقكم تمسكاً بثوابته، فماذا يريد منك «الإسرائيلي» أكثر من ذلك؟
ربما هو لا يريد، لكن مشيخات النفط تريد، كما أرادوا في سورية وكما يريدون الآن من لبنان، ومايجري بين «سعد الحريري» من جهةٍ و«أشرف ريفي» من جهةٍ ثانية ما هو إلا رأس الخيط الذي سيشعل شرارته «آل سعود» في القريب العاجل، ومن لا يصدق فليسأل «فرانسوا هولاند» الذي قرَّر فجأةً زيارة لبنان، تُرى لماذا تزور لبنان وهو بلا رئيس والمجلس مدّدَ النواب فيه لأنفسهم والحكومة في وادٍ والشعب في واد؟ ربما سيصمت… لبرهةٍ ويقول… على الأسد أن يرحل ولو بعد حين…
الكرة الآن بملعب «دي ميستورا» والتعديلات المطلوبة لا تحتاج إلى تأويلاتٍ، وإعادة تشكيل المنطقة يجب ألا يمر عبر «الثوابت السورية»، فهل سيكون؟ ساعاتٌ قليلةٌ ويأتينا الجواب… بالرفض…

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن