قضايا وآراء

لمناسبة الانتخابات التشريعية.. أفكار حول الديمقراطية

| عبد المنعم علي عيسى 

يرى بعض المفكرين الأميركان ومنهم فرنسيس فوكوياما أن الديمقراطية في بلداننا سوف تؤدي بالضرورة إلى وصول طبقات حليفة للغرب تلقائياً إلى سدة السلطة ما يوفر على هذا الأخير إرسال الجيوش والعتاد وتكاليفها الباهظة التي باتت ترهق أعتى الميزانيات وهو ما يختصره فوكوياما بالقول: «أصدقاؤنا بالفكر يملؤون العالم بأسره بينما مهمتنا هنا هي المساعدة بوصولهم إلى مواقع القرار».
عاشت شعوب المعمورة نماذج مختلفة جداً بينها، بينما كانت العوامل المحددة لتلك التجارب تقوم على شرطين اثنين الأول: درجة تطور القوى المنتجة ووسائل الإنتاج والثاني: وجود أنظمة تنهج النهج نفسه أي ألا تكون تلك الأنظمة محاصرة، إلا أن التجربة الغربية الحالية كانت هي الأعمق وفي كل الأحوال فإنها جاءت على أرضية دخول الحصان التجاري سلك الاستعمال الصناعي الذي كان مقدمة لابد منها لصدور قانون تحرير العبيد الذي أصدره أبراهام لنكولن أواخر القرن التاسع عشر ومع ذلك فإن التجربة الأميركية ظلت قاصرة (قياساً إلى نظيرتها الأوروبية) وهي بحاجة إلى استصدار القوانين التي يمكن لها أن تحدث متغيرات اقتصادية واجتماعية تعطي للأغلبية وزنها الحقيقي، ولكي نبسط الفكرة السابقة نسأل: هل بإمكان أي مرشح الوصول إلى البيت الأبيض لو كان من خارج الحزبين التقليديين الجمهوري والديمقراطي؟ وفي الجانب الآخر من الأطلسي فرضت التطورات العلمية والاقتصادية المذهلة ديمقراطيات راسخة لأنها كانت ناجمة عن وصول طبقات المجتمع إلى الدرجة التي يضطر فيها الجميع إلى الاحتكام بالقوانين والشرائع الموجودة.
أطلنا في الحديث لنقول إن عملية حرق المراحل لم تكن مجدية على الإطلاق ولا كانت عملية استنساخ التجارب مفيدة هي الأخرى، ولكي لا يفهم السياق السابق على أنه يريد أن يقول إن التركيبة السورية ليست ناضجة للديمقراطية وإنها لابد أن تأخذ وقتها الكافي، فإننا نقول: إن الشعوب وفي أي مرحلة من مراحل تطورها يمكن لها أن تمارس نموذجاً «محددا» من الديمقراطيات، ولأولئك المعجبين بالتجربة الديمقراطية التي مرت سورية بها في تاريخها المعاصر (أقصد مرحلة مابين 1954 سقوط حكم الشيشكلي و1958 الإعلان عن الوحدة) فإننا نقول إن تلك التجربة لا يمكن أن تسمى ديمقراطية بالمعنى العميق للكلمة فالمرشحون وبالتالي النواب لم يكونوا ممثلين لمصالح معينة أو شرائح اجتماعية محددة تلعب دوراً في النسيج المجتمعي للبلاد، إنما كان (أولئك المرشحون) يعتمدون في وصولهم إلى البرلمان على شبكة معقدة من العلاقات الاجتماعية ومعها صلات الرحم وذوو القربى (ولمن يريد التوسع نحيله إلى تاريخ سورية والعراق للمؤرخ حنا بطاطو- إصدار 2000).
عندما تم الإعلان عن تحديد يوم 13 نيسان 2016موعداً للانتخابات البرلمانية انطلقت الأصوات نفسها التي كنا قد سمعناها في تموز 2014، وفي كلتا الحالتين كانت الطروحات نفسها والتصريحات تختصر بأن من شأن إجراء هذه الاستحقاقات أن تؤدي إلى إعاقة مسار المفاوضات في جنيف دونما أي اعتبار لمحاذير عدم إجرائها في وقت تتعرض فيه البلاد لأشرس حرب في التاريخ يمكن أن تتعرض لها دولة بهذا الحجم وهذه القدرات، وقبيل أن ندخل في السياق المدافع عن تلك الخطوة نقول:
هل الحرب التي تتعرض لها البلاد تسعى إلى إسقاط النظام أم إلى إسقاط الدولة؟ في تقديرنا إلى إسقاط الدولة ولا أدل على ذلك من الآليات التي تحاول استخدامها المعارضة سياسياً (بعيداً عن العمل المسلح) عبر تبنيها لبيان جنيف «1» (30/6/2012) كمرجعية ناظمة للمفاوضات الجارية في جنيف.
بيان جنيف «1» هو في تقديرنا أيضاً وصفة مثالية لتداعي كيان الدولة السورية فهو (وهذه هي قراءة مسؤولة) لم يشر إلى مصير الدستور السوري الذي كان قد تم الاستفتاء عليه قبل أربعة أشهر من جنيف «1» كما لم يشر إلى مصير البرلمان السوري القائم ولم يشر أيضاً إلى الآليات التي ستعتمد لتشكيل دستور جديد ولا ماهية القوى التي ستضع ذلك الدستور ولا موازين القوى القائم داخل هذه الأخيرة وممن تتكون، وفي غموض (يبدو مقصوداً) لم يشر البيان إلى العلاقة الناظمة لهيئة الحكم الانتقالية مع مقام رئاسة الجمهورية وتجدر الإشارة هنا إلى أن النص الانجليزي المعتمد رسمياً للبيان لم يستخدم مصطلح GOVER NAING (وهو يعني حاكمة) بل استخدم مصطلح GOVER NMENTAL (وهو يعني حكومية) والفرق فيما أظن واضح جداً.
عندما جاء الأخضر الإبراهيمي لحل الأزمة السورية كان يحمل أمانة وحيدة هي استنساخ الطائف اللبناني 1989 بنسخة سورية معدلة وعندما تأكد أن هذا الطريق مسدود ذهب (ومن معه فيما بعد) إلى فرض الطائف واقعاً على الأرض قبل أن يكون واقعاً على الورق، وعندما يصبح مقام الرئاسة والسلطة التشريعية شاغرين فإن الأمر عندها يستدعي توافق أهل الأرض للخروج بصيغة توافقية لملء الشغور، وحينها تصبح جميع القوى أمام خيار وحيد هو السير في ترسيخ طائف سوري.
جاءت عملية إجراء الانتخابات رداً حاسماً على طروحات هي لا تزال إلى اليوم في طورها الجنيني كما لا تزال في طور التسريبات الخجولة (الفدرلة) التي يصفها البعض بأنها الحل السحري لخروج سورية من أزمتها كما جاءت لتعزز مفهوم الدولة العميقة ولتثبيت أن الرهان على إسقاط الدولة هو رهان خاسر واليوم وما بعد انقضاء التجربة بنجاح فإن المهمة الأولى لـ/250/ بحاراً هي تكريس مفهوم الوحدة الوطنية كوصفة وحيدة قادرة على إنقاذ البلاد.. وعليهم أيضاً أن يدركوا أنهم يسيرون بعكس التيار القادم علينا من ضفتي المحيط الأطلسي وكل ذلك تحت راية أن «لا حدود لصبرنا».
بقي أن نقول أمراً مهماً قد سرى في أوساط متابعة تساؤلات تبدو مشروعة إلا أن جوهرها لا يصمد أمام التمحيص فيها كأن يقال: أما كان ممكناً أن ننتظر شهراً أو أشهراً لحين قيام حكومة وحدة وطنية تضع دستوراً وقانوناً انتخابياً تجرى الانتخابات على أساسه، ولأولئك نقول بأن هذا الطرح – بينما لو صار واقعاً – فإنه سيكون أول الوهن.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن