قضايا وآراء

لماذا سيستمر جنيف؟!

| باسمة حامد 

منذ بداية إطلاقه، لم يكن جنيف إلا عنواناً دولياً كبيراً لعملية سياسية «طويلة وشاقة» كما يصفها الأميركيون والروس غايتها النهائية إيجاد مخرج سياسي مناسب (للمجتمع الدولي) من (الأزمة) التي تلقي بظلالها الأمنية والاقتصادية على دوله.
وعلى هذا الأساس وبناءً على التفاهمات الروسية الأميركية القائمة على حرية السوريين في «تحديد مستقبلهم»، من الطبيعي أن تستمر عملية التحضير للحوار السوري – السوري برعاية أممية ولا تنهار. فالعبث التركي السعودي القطري (الإسرائيلي) في دولة تمثل «خط زلازل» حقيقي بالمنطقة لم يعد يشكل مصلحة لأحد، ولا شك أن حالة الإجماع على استمرار عملية التفاوض كشرط ضروري «للتسوية» تعكس التمسك الدولي بحل «الأزمة».
وبغياب قوة عسكرية مؤهلة للتعامل مع التنظيمات الإرهابية بشكل فاعل (باستثناء الجيش العربي السوري)، ومع وجود جهات «معارضة مشرذمة» لا تملك قراراً مستقلاً ولا تستطيع تغيير موازين القوى على الأرض ولا يمكن أن «تشكل بديلاً عن النظام».. من الواضح أن الهدف المشترك بين الأطراف الدولية هو الرغبة في إنهاء (الصراع).
ومن المؤشرات الواضحة لهذه الرغبة:
– رفض واشنطن وبرلين لحركة (نتنياهو) التصعيدية في الجولان المحتل، فالمتحدث باسم الخارجية الأميركية قال: «إن موقف الولايات المتحدة حيال هضبة الجولان ثابت منذ فترة طويلة ولم يطرأ عليه تغيير.. هذه الأراضي ليست جزءاً من إسرائيل»، في حين رأت الخارجية الألمانية أن القرار (الإسرائيلي) «أحادي الجانب»:»إن من المبادئ الأساسية للقانون الدولي ومواثيق الأمم المتحدة ألا تزعم أي دولة أن لها الحق في ضم أراضي دولة أخرى بهذه الطريقة».
– انسحاب وفد الرياض من مشهد جنيف وسط (انشقاقات) في صفوفه من دون اكتراث أميركي غربي لردود أفعاله الغاضبة وشروطه وإنذاراته المسبقة وإنسانيته المزعومة. واللافت أن هذا الموقف ترافق مع هجوم لأعضاء الوفد على (الجامعة العربية)، وأتى عشية وصول الرئيس أوباما إلى السعودية، وهذا يعني أن «غربلة الوفود» قد بدأت فعلاً، وغياب الدور السعودي عن المحادثات التي ستُعقد لاحقاً سيمهد الطريق لبلورة مقترح الوفد الرسمي: (حكومة الوحدة الوطنية الموسعة).
– إشارة موفد الأمم المتحدة (ديمستورا) إلى أن فرصة التوصل إلى «نتائج ملموسة» ممكنة إذا تم العمل مع شرائح مختلفة من المعارضة، والحديث يدور عن مجموعات تتبنى – كما يقول مسؤولون روس- «مواقف معقولة» ولذلك من المتوقع أن تشهد المرحلة القادمة تعويماً لها أي:(موسكو، القاهرة، حميميم، أستانة، معارضة الداخل، الوفود الاستشارية) وغيرها.
– اتفاق بوتين وأوباما على:»المساهمة في تعزيز نظام وقف الأعمال العدائية في سورية، وكذلك على وضع تدابير إضافية للتعامل مع خروقات الهدنة في سورية، وتوفير وصول المساعدات الإنسانية إلى المناطق المحتاجة» وفق البيان الصادر عن الكرملين يوم الإثنين حول فحوى المكالمة الهاتفية بين الرئيسين.
لقد خرج العالم من زمن «إسقاط الأنظمة» ودخل في زمن «مكافحة الإرهاب» مرغماً، واليوم بات الجميع مقتنعاً بأن السلام في سورية والتنسيق والتعاون والتبادل المعلوماتي مع حكومتها الشرعية هو الخيار الأكثر واقعية والأقل كلفة لاحتواء الإرهاب ومنع المتطرفين من التمدد في مناطق جديدة، بل الخطوة العملية الأولى لوضع حد للهجرة غير الشرعية، والدليل أن صفحة جديدة من العلاقات الدولية السورية فُتحت فعلاً في مرحلة مفصلية بعد قطيعة استمرت خمس سنوات، وقطار التطبيع العربي الغربي مع دمشق انطلق منذ مدة بهدوء ولن يتوقف.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن