قضايا وآراء

جنيف الاحتمال الأصعب

| مازن بلال 

تسير عملية التفاوض في جنيف نحو فرز حدي، ويقدم أداء الوسيط الدولي مؤشرات إلى أن البحث يجري باتجاه حلول متعلقة بمناطق سيطرة الدولة؛ مع إمكانية توسيع الحل وفق التطورات الميدانية، ففك الاشتباك مع الدول الإقليمية لا يقدم أي تقدم يذكر، في حين يعكس موقف الرياض بقاء «الحالة الانقلابية» التي يحملها معه منذ البدء بالعملية السياسية، وانسحابه من التفاوض مؤخراً لم يؤثر سوى بزيادة التشنج، في حين يبقى التفاوض قائما ويتجه نحو نقاط مشتركة يمكن البناء عليها.
ما عكسته الأيام الماضية يعيد رسم المشهد القديم لمساحات الحوار السابقة، فالحديث عن المرحلة الانتقالية أصبح يملك ثلاث نقاط أساسية على أقل تقدير:
– الأولى إن الدستور السوري الحالي هو الناظم الوحيد المتاح لانبثاق كل مؤسسات الدولة خلال مرحلة الانتقال، وباستثناء وفد الرياض فإن البحث يتم باعتماد الشرعية القائمة حالياً من أجل خلق بيئة تتيح ظهور مؤسسات تعيد إنتاج الدستور وتشرف على الانتخابات.
الأوراق التي قدمتها الوفود لا تقوم بعملية «قطع» مع الشرعية القائم، والعملية السياسية تبدو منسجمة مع المقررات الدولية التي ترى مشكلة مزدوجة تتمثل في إحداث الانتقال ومحاربة الإرهاب، وهذه المسألة تتعقد مع عدم قدرة المنظمات الدولية على فرض اتجاه واحد يمنع تمدد الإرهاب، فالشرعية القائمة اليوم هي ضرورة ولا يمكن بلورة انبثاق لمؤسسات «المرحلة الانتقالية» دون الاستناد إليها، ومقاطعة وفد الرياض نتيجة منطقية لأنه يرفض كليا هذه الشرعية في حين تعتمدها باقي الأطراف لاستمرار الحل بما فيها الوسطاء الدوليون.
– الثانية إن مسائل الحوكمة المتعلقة بالمرحلة الانتقالية تسيطر على معظم المقترحات، فالبحث الأساسي هو عن توازن سياسي يضمن أمرين: الأول الشفافية في المؤسسات المؤقتة التي ستدير المرحلة الانتقالية، والثاني دعم أداء الدولة وعدم تعطيلها لأن عملها شرط أساسي لنجاح «المرحلة الانتقالية»
لا تنطلق المقترحات اليوم من «تقاسم» للسلطة بل الآليات القادرة على تيسير ظهور هيئات دستورية تملك ثباتا، وهذا الاتجاه يمكن أن يتبلور لاحقا مع المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا الذي يعمل فريقه على تفكيك الأوراق وفتح مساحة لقراءة ما تحويه من مناطق مشتركة.
– الثالثة هي حساسية بعض النقاط التي يظهر عليها إجماع من الوفود الموجودة؛ سواء منصتي القاهرة وموسكو، أو منصة دمشق التي تمثل معارضة الداخل، وهذه النقاط هي الجيش الذي سيضمن عمل المؤسسات خلال تلك المرحلة.
الواضح أن تعابير «هيكلة» و«إعادة بناء» الجيش تسير نحو تحديد مفاهيم مختلفة كليا عن السابق، فهناك اتجاه واضح لعدم التطرق إلى كل ما يؤدي للتأثير في أداء الجيش ونقاط الخلاف مرتبطة أساسا بالهامش بين الجيش والعملية السياسية، على الأخص أن الحرب القائمة في سورية ستستمر خلال المرحلة الانتقالية وربما بعدها أيضاً.
التفاوض يسير باتجاه كسر المعادلات السابقة على مستوى العلاقات السياسية القائمة بين القوى المعارضة والوفد الحكومي، فوفد الرياض بحالته الانقلابية يدفع الجميع إلى طرف واحد وتجد كل المنصات أنها مضطرة لحلول لهذه الحالة «الانقلابية» التي تهدد سورية وليس فقط عملية التفاوض، وربما تكون الجولة الحالية هي الأنجح على صعيد رسم علاقات جديدة بين الأطراف المتفاوضة، باستثناء وفد الرياض، التي أصبحت أكثر ثقة بأن الحل السياسي يتبلور بعيداً عن كل عمليات الإقصاء التي كانت مفروضة على الجميع.
عضو وفد معارضة الداخل إلى مفاوضات جنيف

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن