قضايا وآراء

ماذا لو أخطأت روسيا؟

| بيروت – رفعت البدوي 

علمتنا الممارسة في السياسة وخاصة المبنية على مبدأ تحالفات المصالح المشتركة بين الدول أن لا وجود لحليف دائم ولا لخصم دائم في قاموس السياسة بل إن لعبة تأمين المصالح هي التي تتقدم على الدوام.
عندما تلتقي المصالح تتنحى الخلافات جانباً وهذا ما دفع رئيس وزراء تركيا أحمد داوود أوغلو للتوجه إلى طهران من أجل العمل مع المسؤولين الإيرانيين للحؤول دون إقامة إقليم كردي في سورية على الرغم من الخلاف الشديد بين تركيا وإيران حول الملف السوري لكن الخلافات أزيحت جانباً من أجل تأمين المصالح المشتركة بين الدولتين ولو كانت بغطاء أو بمسميات إسلامية.
رئيس وزراء العدو الإسرائيلي نتنياهو يقول إننا لسنا ضد تسوية في سورية لكن شرط ألا تكون على حساب مصلحة إسرائيل، ومن الجولان المحتل أعلن عن نية إسرائيل الاحتفاظ بالجولان المحتل للأبد داعياً العالم وبكل وقاحة للاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان.
نتنياهو يُستقبل في موسكو ويعقد اجتماعاً مطولاً مع الرئيس الروسي بوتين ومن المؤكد أن الملف السوري استحوذ على الجزء الأكبر من المحادثات بين الطرفين وهذا الأمر بدا واضحاً خصوصاً بعدما ردد نتنياهو ما صرح به سابقاً أن الجولان خط أحمر بالنسبة لإسرائيل لكن هناك ملف التنقيب عن الغاز في سواحل فلسطين المحتلة أيضاً كان حاضراً بقوة، إنها لعبة المصالح تتقدم.
في الوقت عينه وعقب انتهاء زيارة الرئيس الأميركي للحليف الأقوى في المنطقة على مدى 80 عاماً متواصلاً- عنيت المملكة السعودية- أعلنت واشنطن أنها ستشتري أكثر من 30 طناً من الماء الثقيل من إيران التي كانت تُعتبر الشيطان وراعية الإرهاب في المنطقة.
أميركا تبحث عن مصالحها الاستراتيجية وهي محترفة في تمييز الربح من الخسارة وهي دائماً تريد أن تكون الرابح الأكبر ولو كان ذلك الربح على حساب الحلفاء ولن ندخل في تفاصيل ما حصل في العراق وليبيا واليمن وسورية وإيران وحتى كوبا.
التراجع الأميركي في المنطقة لا يعني أن أميركا قد تخلت نهائياً عن مصالحها في منطقتنا العربية بل إنها تريد الحفاظ على تلك المصالح الأميركية الاستراتيجية لكن بأقل كلفه من السابق بالتزامن مع البحث عن مصالح أميركا في أماكن أخرى من العالم أكثر نمواً وثباتاً مثل إيران والشرق الأقصى، ومن هذا المنطلق نلحظ أن ثمة توافقاً أميركياً روسياً على البنود العريضة للدخول بمفاوضات تؤدي إلى تسويات سياسية لأزمات المنطقة بدءاً من سورية إلى اليمن إلى العراق وصولا إلى الملف الفلسطيني بما يحفظ مصالح البلدين أميركا وروسيا في المنطقة العربية.
هذا الأمر دفع أميركا للقبول بتسليم مهمة البحث عن تسويات وحلول تحفظ المصالح المشتركة في المنطقة وبأقل الخسائر إلى روسيا خصوصاً بعدما أثبتت روسيا وزنها وحضورها كدولة محوريه لا يمكن تجاوزها في أي تسوية مقبلة في الملف السوري أو في ملف الصراع العربي الإسرائيلي من خلال تدخلها السياسي الموازي لدعمها العسكري في سورية ووقوفها إلى جانب حلفائها سورية وإيران في محاربة الإرهاب ومنع الدولة السورية من الانهيار ومنع تفكك الجيش العربي السوري إضافة إلى محاولة روسيا احتواء التوتر الإسرائيلي ومنعه من الانغماس بشكل مباشر على الساحة السورية.
على الرغم من أن روسيا تقف وقفة حليف حقيقي مع سورية الدولة إلا أن هناك بعض التصريحات التي صدرت عن بعض المسؤولين الروس مثل تصريح «ريباكوف» الذي عبّر فيه عن عدم ممانعة روسيا من قيام نظام فيديرالي في سورية أدخل إلى نفوسنا الريبة رغم النفي أو التصحيح الذي صدر لاحقا عن مصادر روسية رسمية.
يحق لنا أن نسأل عن الحلول أو التسويات التي تنوي روسيا تسويقها في سورية وما موقف روسيا إذا ما نشبت حرب مع العدو الإسرائيلي؟
ليس خافياً أن روسيا تريد إمساك العصا من وسطها من أجل الحفاظ على مصالحها ومنع أي حرب جديدة بانتظار نتائج المفاوضات الجارية في جنيف، لكن هناك جناحاً في روسيا يعتقد أنه من الصعب العودة بسورية كما كانت، وإذا كان من سبيل للحفاظ على وحدة سورية فلا بد من فدرلتها لأن المكون السوري تفسخ ومن الصعب جمعه والعودة به كما كان على الرغم من المصالحات التي نشهدها.
ماذا لو أخطأت روسيا وحاولت فرض حل على سورية لا يتناسب مع قناعات السوريين مثل الفدرلة؟
أسئلة يجب علينا مواجهتها بكل موضوعية لأن الدول لا تبحث إلا عن تأمين مصالحها خصوصاً أن المهلة الأميركية المعطاة لروسيا من أجل إيجاد حل في سورية هي الأشهر التي تفصلنا عن انتهاء ولاية أوباما الرئاسية.
فهل تخطئ روسيا بفرض الحل؟ الجواب عن هذا السؤال ستجيب عليه الفترة المتبقية من رئاسة أوباما.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن