قضايا وآراء

جنيف على درب الآلام.. بين الإرهاب والسلام..!؟

| عبد السلام حجاب 

لا يختلف اثنان حول أن العملية السياسية في جنيف التي يدير شؤونها المبعوث الدولي إلى سورية دي ميستورا بجهود مبتكرة خارج السياق، والمقرر كما أعلن اختتام جولتها الحالية الثالثة يوم الأربعاء القادم لحوار سوري سوري، أنها كشفت عن افتراق حدي وصراع قائم بين من يريد تحقيق نتائج إيجابية ملموسة باتجاه حل سياسي لما سمي الأزمة في سورية على أساس القرار الدولي 2254 والقرار الدولي 2253 الخاص بالإرهاب والتعامل معه وتجريمه. وهو اتجاه يدافع عنه بتفاصيله وفد حكومة الجمهورية العربية السورية والمعارضات السورية الوطنية. وبين وفد المعارضة المنبثق عن اجتماع الرياض الذي جاء إلى جنيف بهدف تنفيذ أجندات مشغليه في السعودية وتركيا وقطر. وهي أجندات لم تحصر أهدافها في قلب طاولة جنيف3 وحسب بل أكدتها عبر تنظيماتها الإرهابية بخرق تفاهمات الاتفاق الروسي- الأميركي لوقف العمليات القتالية في سورية وللإطاحة به على الرغم من إقراره دولياً بموجب قرار مجلس الأمن 2268، ما يجعل محادثات جنيف بطيئة الخطوات على درب الآلام المشدود على حبل بين السلام والأمل بتحقيق إرادة السوريين بالاستقرار والبناء وبين الإرهاب المطلوب بشروط أجندات أصبحت من الماضي.
وليس بعيداً عن هذا السياق، دعت الأمم المتحدة وزراء مجموعة العمل الدولية لدعم سورية إلى عقد اجتماع لإنقاذ جنيف مما يحاك على هوامشه وفي الغرف المغلقة، ولدعم اتفاق وقف العمليات القتالية بشروطه التي يتضمنها والمعلن عنها. ما دفع موسكو إلى الإعلان عن نيتها طرح إضافة جماعات منخرطة في تخريب هدنة الاتفاق، كجيش الإسلام وأحرار الشام على قائمة التنظيمات الدولية التي تشمل تنظيمي داعش وجبهة النصرة الإرهابيين أمام مجلس الأمن الدولي.
وكان الدبلوماسي الروسي بوغدانوف أعلن «نحن متفقون مع الشريك الأميركي أنه لا بديل عن الحل السياسي، وأن الحوار في جنيف يجب ألا يصبح ابتزازاً للمجتمع الدولي».
وعليه، فأنه ليس ثمة غرابة بأن تعمل أميركا على معالجة الندوب التي لحقت بها بسبب الأداء الإرهابي الذي تنفذه السعودية وقطر مباشرة أو أدواتهما الإرهابية التكفيرية في سورية والعراق وفي غير مكان وصولاً إلى إيران. ثم تتحمل سياسات أوباما نتائجه العبثية المقززة. وهو ما كشف عنه تلميحاً أو تصريحاً، دبلوماسيون وإعلاميون أميركيون واكبوا زيارة الرئيس أوباما ومحادثاته في الرياض مع آل سعود وثالثاً في القمة، مع قادة الخليج. ولم تكن مصادفة استعادة تصريحات أوباما لمجلة اتلانتس ولصحيفة نيويورك تايمز لاحقاً ما أكد أن أميركا تعمل أولاً لحساب مصالحها وليس لحساب مصالح الآخرين من مراهقي السياسة وأمراء النفط ولاسيما أن النفط لم يعد يشكل منفرداً العنصر الضاغط على سياستها واهتماماتها الإستراتيجية بعيدة المدى جغرافياً وسياسياً. وإن كان الحفاظ على القواعد في منطقة الخليج يشكل إسناداً ضرورياً مدفوع الثمن في توفير وسائل الأمن والسلاح والتدريب العسكري.
ولعله، بات ممكناً الاستنتاج بأن تنفيس الانتفاخ السعودي المرضي أصبح ضرورة أميركية قبل أن يتفجر وتصبح الخسارة خارج إمكانية السيطرة، وبالتالي فإنه لا يمكن لأوباما التعويل على اندفاعات مراهقي السياسة الوهابية لحكام آل سعود ومشيخة قطر، ولا أحلام أردوغان الإخوانية العبثية في سورية، خلال المرحلة المتبقية من رئاسته، وتصبح كلماته حمالة أوجه في وقت يؤكد فيه المجتمع الدولي أنه قادر على تحقيق نتائج ملموسة عندما يعمل بشكل مشترك على أساس القانون الدولي وفي إطار الدور المركزي للأمم المتحدة، وقد أكدت زافاروفا المتحدثة باسم الخارجية الروسية أن روسيا متمسكة باتفاقاتها مع أميركا حول سورية معربة عن أسف موسكو للمزاعم الغربية بفشل اتفاق وقف الأعمال القتالية في سورية، مع أن الرئيس أوباما أبلغ هاتفياً الرئيس بوتين بضرورة اتفاق الولايات المتحدة وروسيا في التعامل مع الملف السوري.
وقال الدبلوماسي الروسي بوغدانوف خلال منتدى لصحفيي العالم الإسلامي في موسكو.. إن العمليات ضد الإرهاب في سورية ساهمت في مكافحة الإرهاب الدولي، مشدداً على أن الوزيرين لافروف ونظيره الأميركي كيري متواصلان بالهاتف يومياً. وهناك تنسيق دائم ويومي بينهما على جميع المستويات.
وعزت روسيا عدم تشكيل جبهة دولية واسعة في مواجهة الإرهاب إلى مطامع سياسية ومصالح قومية ضيقة لعدد من الدول في إشارة إلى تركيا التي تسمح للإرهابيين وأسلحتهم بالتدفق عبر حدودها إلى داخل الأراضي السورية. وإلى السعودية التي تجعل من الإرهابيين أداة ابتزاز للمجتمع الدولي، في وقت اعتبر فيه المتحدث باسم البيت الأبيض جوش أرنست أن استمرار الالتزام بوقف الأعمال القتالية مفيد لجميع الأطراف وخصوصاً الشعب السوري.
لاشك بأن الوقائع، في زمن السماح الأميركي الرجراج الذي يقترب من النفاد، تؤكد مواصلة آل سعود متفردين أو بتعاون مع العثماني أردوغان وحكومة نتنياهو الصهيونية تغذية الإرهابيين بما يلزم من سلاح ومرتزقة وبسياسات كانت السمة البارزة لوفد معارضة الرياض إلى جنيف وتضامنه العلني مع تصعيد الانتهاكات الإرهابية في سورية، فقد كان الغائب الوحيد عن أذهانهم وأجنداتهم أي انخراط إلا التعطيل والتخريب بذرائع واهية لعملية التسوية في جنيف عبر حوار سوري- سوري بقيادة سورية ودون شروط مسبقة، ما دفع الميسر الدولي دي ميستورا إلى وصف انسحابهم من المحادثات بأنه استعراض سياسي، وإلى استخدام خبرته الدبلوماسية طويلة الأمد لابتكار سبل وصفها بالتقنية لمواصلة محادثات جنيف والحيلولة دون تعطيله أو نسفه باستعراضات سياسية فاشلة في مضمونها وأهدافها، بحيث أعلن الوزير لافروف بأن وفد معارضة الرياض هو الخاسر الوحيد، وأشار رادوفكيف ممثل روسيا الدائم في جنيف إلى شرخ في معارضة وفد الرياض بين معتدلين ومتطرفين لافتاً إلى ضرورة توحيد جهود المعارضة السورية المعتدلة الموجودة في جنيف على أسس مشتركة لمواصلة الحوار مع وفد حكومة الجمهورية السورية من أجل محاربة الإرهاب وإخراج سورية من الأزمة.
إن مؤشرات بلوغ درب الآلام للسوريين إلى حيث الخلاص من الإرهاب أصبحت أكثر واقعية، ولا شك بأنها تتزامن مع واقع ما يتحقق في مسارين:
1- انتصارات الجيش العربي السوري في الحرب على الإرهاب بدعم القوى الجوية الروسية والحلفاء.
2- نجاح السياسة السورية بقيادة الرئيس بشار الأسد في تعزيز المناخات الدولية المؤيدة وتحولها إلى وقائع دولية تتقدم مفاعيلها إلى الأمام لمصلحة الحقوق الوطنية السورية السيادية، ولعل من يقرأ حقيقة المتغيرات الحاصلة ودلالاتها، خارجياً وداخلياً. يدرك أن بشائر الانتصار الحاسم تلوح في سماء سورية كوطن للأبجدية والحضارة والوحدة الوطنية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن