ثقافة وفن

«فتاةُ غسَّان»: نَسَجَت خيوطَ القصيدةِ العموديَّةِ وأكثرت مِنَ الوجدانياتِ ووصفِ الطبيعة

| نضال حيدر

«فتاةُ غسَّان»… هيَ الشاعرةُ السوريَّةُ فاطمة سليمان الأحمد، المولودةُ عامَ 1908م في أسرةِ علمٍ وأدبٍ؛ في قريةِ «السلاطة» قضاء القرداحة؛ في محافظةِ اللاذقية.
والِدُها: العلامَةُ الشيخ سليمان الأحمد، عالِمُ الدينِ والبلاغةِ واللغةِ؛ والأديبُ الشاعِرُ، وأحدُ المُصلحينَ الدينييَّنَ والاجتماعيين البارزين.

فاطمة: «فتاةُ غسَّان»
لقَّبَت فاطمة سليمان الأحمد نفسها بـ«فتاة غسَّان» لانتمائِها إلى «غسَّان» القبيلةِ العربيَّة، وقد تلقَّت تعليمها على يدي والِدِها العلامة الشيخ سليمان الأحمد، الذي لم يكترِث بالدعواتِ السائِدةِ يومذاك، والمعارِضة لتعليمِ المرأة، وكانتِ الضريبةُ الكبرى اتهامه الباطِل من بعضِ المرجفين بالكفرِ والإلحاد؟!.
غيرَ أن العلامَةَ الشيخ سليمان الأحمد، لم يأبه لكلِّ ذلك، ووضعَ مكتبتهُ الخاصَّةَ تحتَ تصرُّفِ فاطمة، وناقشها في الكثيرِ من علومِ القرآنِ واللغةِ والفقهِ والأدبِ والشعرِ وغيرها، وبما يتَّصِلُ بحياةِ المبدعينَ وأشعارهم وأخبارهم وطبقاتهم.
قراءاتُها مُتعدِّدَةُ الاتجاهاتِ والرؤى

ثمَّة من يُشيرُ إلى أنه لا يُمكِنُ تعدادُ الكتُبِ المتنوّعةِ الاتجاهاتِ والرؤى؛ التي اطَّلَعَت عليها «فتاةُ غسَّان» دراسةً وشرحاً وفهماً، والتي أَنتَجَتْ تفتُّقَ موهبتِها الشعريَّةِ، ولا عَجَب في ذلِكَ؛ فهي التي ترعرعت ونشأت تحفظُ دواوينَ الشعرِ العربي، فبرَعَت في حفظِ الشعرِ، ثمَّ في صوغِهِ، فكانَ أن شجَّعها واِلدُها على مُراسلةِ أهم المجلاتِ، التي نَشَرَت فيها الكثيرَ مِنْ قصائٍدِها.

العمل على تحريرِ المرأةِ
عندما وَصَلَت فاطمة سليمان الأحمد إلى مرحلةِ النضوج، تزوَّجَت الشيخَ العالِمَ؛ والشاعر الكبير كامل صالح، ولكنَّ دخولها عالمَ الزوجيَّةِ لم يكُن ليمنعها مِنَ المُشاركةِ بفاعليَّةٍ في الحياةِ الثقافية، فاستمرت تكتبُ الشِعرَ، إضافة إلى العديدِ مِنْ المقالاتِ التي دَعَتْ مِنْ خِلالِها إلى استنهاضِ طاقاتِ الشبابِ وإمكاناتِهم، والعملِ الحثيثِ على تحريرِ المرأةِ وإتاحةِ فُرَصِ التعليمِ أمامها.

«ذِكرى الغريب»: أولى قصائِدِها
مثَّلَ شِعرُ فاطمة سليمان الأحمد مرحلةً مُهِمَّةً مِنْ تاريخِ سورية ونضالِها ضدَّ الاستعمارِ الفرنسي، ومن المرجَّحِ أنها كتبتِ الشِعرَ لأولِ مرَّةٍ وهي في الخامسة عشرة من عمرِها، حيثُ حَمَلَتِ القصيدةُ عنوانَ: «ذِكرى الغريب» وفي مطلعها تقول:
تغنَّت على مائِساتِ الغصونِ بلحنٍ رقيقٍ شجِيٍّ حَسَن
تُردِّدُهُ مُطرِباً مبتهجاً بصوتٍ لطيفٍ رخيمٍ أغن

تجاوزُ الماضي إلى المستقبل
وإذ كانت مسألةُ الماضي في أولوياتِ اهتِماماتِ «فتاة غسَّان» فإنَّها دَعَت إلى تجاوزِ ما سمتها: «عقدة الماضي المجيد» مؤكِّدَةً ضرورةَ الاهتمامِ بالحاضرِ والمستقبل، وعن ذلكَ تقول:
لا تدعوا الأمسَ البعيدَ فقد طاحَت فتوحٌ ورُديت كبرياءُ
ذاكَ الجزءُ مِنَ الزمانِ تولَّى ولنا اليومَ غيرهُ أجزاءُ
لا يفُتكُم رَكبُ الشُعوبِ فما تحنو على من تخلُف الصحراءُ
وَقَفَت بقوةٍ وجرأةٍ في مواجهةِ المدِّ الطائفي
كذلكَ وَقَفَت فاطمة سليمان الأحمد، بقوةٍ وجرأةٍ أمام المدِّ الطائفي الذي حرصَ المستعمرُ الفرنسي على تغذيتهِ، ومما كتبتهُ في هذا المجال نقتطِفُ قولها:
لا تقولوا مذاهِبُ فرَّقَتنا مذهبُ الحقِّ وحدةٌ وإخاءُ
ما دعا الدينُ للشِقَاقِ خلقتهُ السياسةُ النكراءُ
لقد عدَّت «فتاةُ غسَّان» التربيةَ الحسنةَ للفتاةِ وتسليحها بالمعرفةِ، وهديها للأخلاقِ النبيلةِ أفضل وسيلةٍ لحمايتها والارتقاءِ بواقعها نحو الأفضل، وفي ذلكَ تقول:
عودوا عليها بالثقافةِ تكشِفوا عن أي مكرُمةٍ وعن صوابِ
وتعهَّدوا بالعلومِ نضيرةً فالعلمُ أكبرُ حارسٍ غلابِ
إنَّ الفضيلةَ إن جَلَت أزهارُها متَّت إليه بأمتنِ الأسبابِ

نتاجُها الشعري والمعاني التجديدية
نَسَجَت الشاعرة فاطمة سليمان الأحمد خيوطَ القصيدةِ العموديَّةِ، متناوِلَةً أغراضَها ومعانيها، فأكثرت مِنَ الوجدانياتِ؛ ووصفِ الطبيعةِ ومزجَت بينهُما، وتبدَت في قصائِدِها الوطنيَّةِ الصورُ والمعاني التجديدية، ولها قصائِدُ تضمَّنَها كتابٌ ضمَّ ترجمةً عنها جاءت بعنوان: «فاطمة سليمان الأحمد.. شاعرةُ الإنسان والوطن- فتاةُ غسَّان».
كما كتبت «فتاةُ غسَّان» مُقدِمةً لديوانِ أخيها الشاعر محمد سليمان الأحمد «بدوي الجبل» ولها كذلك قصائِد منشورةٌ في صُحُفِ ومجلاتِ عصرِها مثل: «جريدة المعرض، مجلة منيرفا، مجلة الأماني، مجلة النور» ومِنْ عناوينِ القصائِدِ المنشورةِ: «روحُ شاعرة، خبِّرينا يا ذُكاء، إن مُتُّ، ذا رقيُّ الإنسان، ورقاءُ غنَّتني، جولةٌ فكرية، فتلتامُ أكبادٌ بهنَّ صدوعُ» كما أن لها قطعةً مسرحيَّةً نثريَّةً واحدة، ومقالةً أو أكثر في قضايا الأدبِ والاجتماع.

رائِدةً مِنْ روَّادِ عصرِ النهضةِ
«فتاةُ غسَّان» واحدةٌ من المبدِعاتِ السورياتِ اللواتي عَمِلن بجرأةٍ على نشرِ الأفكار النيِّرَةِ، وهي تُعدُّ جزءاً من حالةِ النهوضِ العامةِ التي عاشها المجتمعُ السوري، ورائِدةً مِنْ روَّادِ عصرِ النهضةِ، لم تتردد في خوضِ معركةِ التنوير، والعملِ على نشرِ الوعي في الميادينِ الفكريةِ والاجتماعيَّةِ والسياسيةِ في آن معاً.
بعدَ مسيرةٍ حافلةٍ بالإبداعِ والتميُّز؛ توفيت الشاعرةُ السوريَّة فاطمة سليمان الأحمد «فتاة غسَّان» في 4 أيار عامَ 1985م عن عمرٍ ناهز سبعةً وسبعينَ عاماً، غيرَ أن ما يؤسفُ لهُ حقاً، هو ذلِكَ الإهمال لتراثِ هذهِ الرائِدةِ المبدِعة، والتي نأملُ مِنَ القائمينَ على الشأنِ الثقافي في سورية، إعادة طباعةِ أعمالها الكاملة، ما يتيحُ إمكانية التعريفِ بها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن