قضايا وآراء

ظنون وأوهام خائبة

| صياح عزام 

بات من الواضح أن الكثيرين في المنطقة يتطلعون للظفر بحجز حصة لهم في سورية كما يتوهمون من خلال الحرب الإرهابية الدائرة ضدها منذ أكثر من خمس سنوات، وكأن سورية أصبحت لقمة سائغة يسهل عليهم ابتلاعها، متجاهلين أن صمودها كل هذه الفترة أمام أعتى حرب تفرض على دولة بحجمها وإمكاناتها يشكل درساً بليغاً لكل طامع في أرضها وهادف إلى تقسيمها وضرب نسيجها الاجتماعي المتماسك.
ليس اجتماع حكومة إسرائيل على أرضها في الجولان المحتل وتصريحات رئيسها نتنياهو من هناك بأنه آن الآوان للاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الهضبة المحتلة منذ نصف قرن من الزمن، إلا دليلاً على أن إسرائيل قرأت المشهد السوري العام قراءة تقوم على أساس أن سورية ذاهبة باتجاه التقسيم بعد أن أنهكت- حسب التصور الإسرائيلي- وبالتالي يجب أن تكون لها حصتها من التراب السوري، وخاصة أن سورية في لحظة ضعف وليست قادرة على الدفاع عن أرضها في ظل الحرب الدائرة ضدها.
وإن لم يكن الأمر كذلك فلماذا نفذ نتنياهو هذا الاجتماع لحكومته الآن؟ لماذا لم يعقد مثل هذا الاجتماع في أوقات سابقة؟ سؤال في محله والإجابة عنه واضحة لا تحتاج إلى كثير من التمحيص والتدقيق وإجهاد النفس في العثور عليها.
وبطبيعة الحال، فإن ما شجعه على ذلك بالدرجة الأولى هو موقف المعارضات السورية الخارجية- أي معارضة الرياض وأنقرة والدوحة- التي اتضح أن هذا الاجراء الإسرائيلي لا يعنيها من قريب أو بعيد، بل كل ما يعنيها هو أن تتسلم السلطة في دمشق على طبق من ذهب، تكمل المشوار مع مشغليها في السعودية وقطر وتركيا للتصالح مع إسرائيل، وللتذكير فقط فإن التنسيق بين إسرائيل وهذه المعارضات بات مكشوفاً، فالمشافي الإسرائيلية استقبلت أكثر من 13 ألف جريح من إرهابيي النصرة وغيرها من المنظمات الإرهابية، هذا إلى جانب مد هذه المنظمات بالسلاح والمعلومات الاستخباراتية، بحيث تحولت إسرائيل إلى مرجعية دولية مخابراتية لما يحصل في سورية، بسبب حصولها على بنك من المعلومات والأسرار من خلال هؤلاء الجرحى، أو من خلال الاجتماعات التي تجري بين الطرفين على الحدود السورية الإسرائيلية في الجولان المحتل ودرعا.
كذلك زار إسرائيل- كما هو معروف- عدد من قادة المعارضة منهم كمال اللبواني الذي طالب الإسرائيليين بإقامة منطقة آمنة- حسب تعبيره- في جنوب سورية والجولان، وبقصف دمشق والمدن السورية الأخرى، وأبدى استعداده للتنازل عن الجولان، مقابل تدمير الدولة السورية.
كذلك دعا المعارض أحمد الجربا الذي شكل مؤخراً ما سماه تيار الغد السوري إلى مفاوضات مع إسرائيل سرية أو علنية، حيث كشفت عن ذلك صحيفة «الجيروزاليم بوست» وكتبت أن المعارضة السورية في الخارج لا تُعير أي اهتمام لمسألة احتلال الجولان.
إذاً، ليس الإسرائيليون فقط من يتطلع إلى حصة من الكعكة السورية.. تركيا التي كان سلطانها يحلم بالصلاة بالمسجد الأموي إيذاناً بانتصاره، تجددت أطماعها في شمال سورية، وصولاً إلى حلب، تارة تحت عنوان المناطق الآمنة، وأخرى بذريعة حماية التركمان والعرب من الأكراد، وثالثة في سياق ادعاء محاربة الإرهاب!
السعودية أيضاً، يهمها العزف على وتر ما تسميه «الهلال الشيعي»، وذلك بهدف نشر المذهب الوهابي التكفيري، والتجييش ضد إيران، وصولاً إلى التصالح مع إسرائيل وفقاً لمبادرتها التي اعتمدها الأنظمة العربية مع كل أسف باستثناء سورية، وتصفية قضية فلسطين..
ولا يخرج عن السياق نفسه استعجال بعض الفئات الكردية لإعلان الفدرالية في سورية، من دون أن تنتظر هذه الفئات انتهاء الحرب، حيث دار في خلدها- كما في خَلَد غيرها- أن الدولة السورية آيلة إلى السقوط في وقت قريب. نعود للقول إن من يسمع تصريحات قادة المعارضة الخارجية- كما يسمون أنفسهم، ودعواتهم لإشعال الأخضر واليابس وإحراق الأرض من تحت أقدام السوريين وتدمير الدولة السورية، إرضاء لنزواتهم الشخصية ولرغبات مُشغّليهم في الرياض والدوحة وأنقرة وباريس ولندن وتل أبيب، وما تبع ذلك من تصعيد عسكري خاصة في الشمال السوري، ومن العودة إلى إمطار المدن السورية بقذائف المدفعية والهاون والصواريخ؛ من يسمع ويرى كل ذلك، لا يسعه إلا أن يصف هذه المعارضات وأدواتها في الداخل السوري من مجموعات إرهابية بأنها يصح في وصفها قول الشاعر: «أسد عليّ وفي الحروب نعامة» حين تكون الحرب مع إسرائيل.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن