ثقافة وفن

خلدون المالح من رجل الأضواء إلى «رجل الظل».. وداعاً … الأنموذج الذي يحتذى به بما عرف عنه من حب ووفاء وإخلاص … سلاف فواخرجي: عرّاب الفن والإبداع والحب… رائدة وقاف: ألف حياة وحياة أهديتها لنا

| وائل العدس

رحل الإعلامي والمخرج السوري الكبير خلدون المالح، عن عمر ثمانيةٍ وسبعين عاماً، بأحد مشافي ولاية لوس أنجلوس الأميركية التي سافر إليها قبل أشهر لتلقي العلاج من مرض سرطان الرئة على أن يوارى الثرى في مسقط رأسه دمشق، بناءً على وصيته.
ولا يمكن وضع الراحل في خانة النجوم بالمفهوم العصري، إذ كان دائماً رجل الظل الذي يعمل خلف الكواليس.
وتأتي شهرته الشعبية في الخلفية البعيدة لأسماء دريد ونهاد والماغوط، ربما لأن الفترة التي شهدت أهم أعماله كانت بعيدة عن مفاهيم النجومية والتسويق والشخصيات العامة، وأقرب إلى مفاهيم العمل الجاد والالتزام الفني.
ويعد الراحل من رواد الدراما في سورية منذ انطلاقتها قبل أكثر من خمسين عاماً، فضلاً عن كونه من مؤسسي نقابة الفنانين وكان له سبق تصدير الفن السوري إلى الوطن العربي.
انتُخب المالح عضواً في مجلس الشعب عام 1977وحاز العديد من الأوسمة والجوائز التقديرية من الدول والمؤسسات والمهرجانات عن عمله كإعلامي ومخرج.

المالح «مخرجاً»
ولد الراحل في دمشق عام 1938، ودرس الفن التلفزيوني بمؤسسة التلفزيون الإيطالي، وحاز منها دبلوم الإخراج سنة 1959، وكان بين المؤسسين الأوائل للتلفزيون السوري 1960، كما تخصص في إخراج المنوعات 1968 من تلفزيون تشيكوسلوفاكيا، وانضم خلال العام ذاته إلى نقابة الفنانين السوريين.
ارتبط اسم الراحل منذ البداية بالثنائي الفني السوري الشهير نهاد قلعي ودريد لحام، حيث أخرج «الإجازة السعيدة» أول مسلسل قدمهما كممثلين تلفزيونيين سنة 1960، وامتد تعاونه معهما قرابة الثلاثين عاماً، شكلوا خلالها ثلاثياً في المسلسلين الشهيرين «مقالب غوار» و«ملح وسكر»، و«صح النوم» بنسختيه التلفزيونية والسينمائية التي كتب لها السيناريو أيضاً، ومسرحيتي «غربة»، و«ضيعة تشرين» (تأليف محمد الماغوط).
وتعاون الراحل إخراجياً مع دريد بمسلسل «وين الغلط»، وكان آخر مسلسل أخرجه له «وادي المسك» 1982، غاب بعدها الراحل عن الإخراج التلفزيوني 17 عاماً.
أما آخر أعماله كمخرج ومنتج فكان مسلسل «الجمل» عام 1999 (تأليف أحمد حامد، ومن بطولة سلمى المصري، وسلوم حداد، وأنطوانيت نجيب، وهالة شوكت، وليلى جبر، ومحمد العقاد، وسحر فوزي وآخرين).
وحظي العمل بأكبر نسبة مشاهدة في الوطن العربي ونال جوائز عديدة، وهو من أهم أعمال الفانتازيا التاريخية التي قدمتها الدراما السورية في منتصف التسعينيات، وابتعد به عن التنميط السائد نحو تقديم قصة مشوقة محبوكة في قالب درامي جذاب.

المالح «إعلامياً»
الإعلامي السوري العتيق، بدأ مسيرته المهنية مذيعاً في إذاعة دمشق، ومخرجاً إذاعياً، ومارس قرابة نصف قرن مختلف الاختصاصات الإعلامية بالتلفزيون السوري الذي ساهم بتأسيسه، حيث عمل، كمذيع أخبار، ومراسل، ومعد، ومقدّم، ومخرج، ومدير للبرامج، وكان «على عيني» آخر برنامج قدّمه الراحل عبر الفضائية السورية خلال سنوات تأسيسها الأولى.

المالح «منتجاً»
لم يكن المالح مخرجاً وإعلامياً فحسب، بل كان منتجاً لمعظم تلك الأعمال الرائدة عبر شركة إنتاج «شمرا» التي أسسها وتولى إدارتها لفترة طويلة من الزمن كأول شركة إنتاج سورية خاصة، إضافة إلى تأسيسه أيضاً لفن الدوبلاج السوري في ستينيات القرن الماضي، وله محاولات جادة في مجال الفن التشكيلي أيضاً.

المالح «رساماً»
تعد علاقة المالح بالفن التشكيلي هواية مارسها في مطلع الشباب، وشغله عنها عمله في الإعلام، وهو يؤكد أنه ليس رساماً بل هو باحث عن الجمال يحاول تحقيق غايته، مستخدماً كل ما يتوافر لديه من أصناف اللون.

قامة فنية
بينت نقابة الفنانين في بيان أن الأسرة الفنية فقدت برحيل المالح قامة فنية ووطنية قدمت خلال مسيرتها الفنية العديد من الأعمال المهمة والقيمة التي رسخت وجسدت حب الوطن وحملت همومه ومشكلات أبنائه في قلبها.
وأشارت النقابة إلى أن المالح عمل خلال مسيرته الفنية على الارتقاء بالفن السوري في مختلف اختصاصاته وكان الأنموذج الذي يحتذى به بين الفنانين والمخرجين والمنتجين والجماهير بما عرف عنه من حب ووفاء وإخلاص لزملائه وفنه ولوطنه حيث اشتهر بحضوره المميز وأدائه الجميل وقدرته الكبيرة على تجسيد الشخصيات ودفاعه عن الفن وزملائه ولم يبتعد يوماً عن فنه بل كان على الدوام متألقاً متجدداً ومجتهداً في كل الأعمال التي أخرجها وأنتجها.

المالح العرّاب
أما النجمة سلاف فواخرجي، فرثت الراحل بطريقتها الخاصة، حيث كانت إحدى بطلات مسلسل «الجمل» في سنواتها الأولى في الدراما، فقالت: خلدون الحبيب.. عرّاب الفن.. وعرّاب الإبداع.. وعرّاب الحُب، صوتك وصورتك وأعمالك من أيام الأبيض والأسود عاشت بوجداننا وصارت حياتنا ألواناً.
وأكملت باللهجة السورية المحكية: «ما بنسى كل لحظة جمعتني فيك.. ما بنسى حنيتك وأبوتك.. ما بنسى لما كنت خجلانة بأول يوم تصوير وصوتي مخنوق.. وقفت التصوير وخليتني غني وغني وغني صح غلط مو مهم.. بس المهم أنو من هديك اللحظة خليتني حب صوتي أكتر وحب التمثيل أكتر.. وكنت لما شوفك مبسوط مني بعد المشهد كنت أفرح.. وكأني جبت علامات عالية وعم ورجيها لأبي.. اللـه يرحمك يا غالي، الحمد لله إني قدرت احكي معك من شهر واسمع صوتك اللي بحبه».

الأخ والصديق
بدورها تقدمت النجمة سلمى المصري «بأحر التعازي القلبية بفقدان الأخ والصديق».
وقالت: رحمك اللـه وأسكنك فسيح جناته، كنتُ على تواصل معه للاطمئنان عن صحته فكان في غاية التقبل للقدر وراضي النفس ومؤمناً بما كتبه اللـه له، وحمّلني السلام لكل الأحبة ولكل من يسأل عنه، وكان يفرح بالأصدقاء الذين أحاطوه بالمحبة والرعاية، كل الرحمة لك، أنت باق في قلوبنا وذاكرتنا، أنت زرعت المحبة والفرح في نفوس محبيك ومعجبيك الصبر والسلوان لعائلتك الكريمة ولكل محبيك.

الصدق والعمل
وكتبت رائدة وقاف مديرة قناة «سورية دراما» عبر صفحتها الرسمية على الفايسبوك كلاماً معبراً عن الفنان الراحل فقالت: كان العالم على اتساع مئات الأميال من حولنا يشكل بيتاً فيه تتفتح أزهار الكلام من براعمها.. على عيني.. كلامك وسلامك.. كانت الشارة الكافية لتجعل كل سوري في الانتشار يجلس لينصت إلى صوت الوطن.
وأضافت: خلدون المالح.. منك تعلمت يومها ألا آتي إلى برنامجنا المشترك كل أحد إلا وقد تابعت كل صغيرة وكبيرة مما تحدثنا به إلى المغتربين في الحلقة السابقة من برنامجٍ وصل إلى قلب وعقل ووجدان كل مغترب وترك.. في مسمع الدنيا صدى يتردد.. الصدق والعمل وعدم صف الكلام غير المترافق مع الخطوات الحقيقية على الأرض، هو أكثر ما كنت تؤكد عليه عند إعداد حلقات البرنامج الذي قدمناه معاً لعام كامل، وفيه تابع العالم بعواصمه كيف يفيض الحب والعشق الذي يحمله كل مغترب سوري لوطنه نرجسَ ربيع.
وختمت: خلدون المالح.. ألف حياة وحياة أهديتها لنا.. فكنت المبدع في كل فن، وفي كل عشق لأرض تنسمت نسيمها الدافئ الممزوج بعبق الياسمين.. وأساطير الصمود، خلدون المالح… على عيني.. رحيلك في يومٍ كثيرِ الرياح.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن