قضايا وآراء

معالجة جديدة بمحطات قديمة

| عبد المنعم علي عيسى 

عملت غرف صناعة القرار السياسي الأميركية منذ أحداث أيلول 2001 على إرساء أرضية اقتصادية- أمنية- تمكن صانع القرار السياسي من اختيار اللحظة المناسبة لقرار همس به هنري كيسنجر (حكيم الأمة الأميركية) قبيل أن يعلن استقالته من رئاسة اللجنة المكلفة إجراء تحقيق في تلك الأحداث، اختصر كيسنجر كلامه بـ(تصفية الشراكة الاستراتيجية مع السعودية) آنذاك بدأت تظهر الخطوات باتجاه تنفيذ الوصية بدءاً من دعم الشركات الأميركية التي تستثمر في النفط الصخري وصولاً إلى الدفع نحو إلباس بدائل النفط المحتملة لبوس الجدوى الاقتصادية الكافية واللازمة لدخولها معترك الحضارة الصناعية التي ستحدد مسار الإنسان على هذه الأرض.
وضعت اللجنة السابقة الذكر تقريراً مطولاً من 500 صفحة بقي منها آنذاك- ولا يزال- ثمان وعشرون صفحة مغيبة بذريعة أنها تمسّ الأمن القومي الأميركي على الرغم من أن سياق التقرير والمكان الذي غيبت فيه تلك الصفحات كان يشي بما تحتويه هذه الأخيرة أو على الأقل يشير إلى مادتها الأساس أو فحواها المثير.
قطع (بن رودس) نائب المستشار الأمني القومي للرئيس الأميركي 20/4/2016 الشك باليقين ليشير صراحة إلى أن تلك الصفحات تحوي إدانة دامغة لمسؤولين سعوديين كانوا قد سهلوا عمل الإرهابيين، لم يكن تصريح بن رودس بداية لمسار بل كان نهاية لمسار، فالمحطات البدائية المهمة كانت مع أوباما الذي أعلن 6/4/2015 أن المخاطر التي تتهدد الخليجيين هي داخلية وليست خارجية ليصل في 10/3/2016 إلى اتهام السعودية صراحة بنشر الإرهاب والتطرف، وبين التصريحين كان اتفاق فيينا 14/7/2015.
جاءت الرؤية المستقبلية التي أطلقها محمد بن سلمان 25/4/2016 بعد أيام فقط من وصول التأنيب الأميركي إلى ذراه في أعقاب حضور الرئيس الأميركي باراك أوباما للقمة الخليجية 20/4/2016، وفي حكم سريع عليها يمكن القول إنها جاءت متأخرة بل في وقت من الصعب فيه أن تجنى ثمراته، فالتحولات التي يتم الرهان عليها «المناهج التربوية- دور المرأة» هي من النوع الذي لا تتبدى آثاره أو إيجابياته إلا بمرور أجيال مما لا يساعد في إنقاذ المملكة المريضة التي تبين خطورة مرضها العضال في قول مدهش لـ«ابن سلمان» قال فيه: إن المملكة السعودية ستستطيع العيش من دون النفط في عام 2020 وهو قول من الصعب إثباته واقعياً أو إطلاقه كشعار للمرحلة المقبلة.
أيضاً في حكم سريع على تلك الرؤية فإنها تمثل «فضيحة» بكل ما تعنيه الكلمة، فالشعارات المطروحة أو المجالات المقترحة لإجراء الإصلاح فيها «دور المرأة – المناهج التربوية» كانت موجودة منذ نهايات القرن التاسع عشر في المنطقة ولربما كان أول من نادى بها جمال الدين الأفغاني وتلميذه النجيب محمد عبده وبمعنى آخر فإن المملكة مسبوقة إقليمياً في نظامها الاجتماعي والسياسي قرناً ونصف قرن من الزمن على الأقل.
نقطة أخيرة فإن شفافية ابن سلمان تذكر أكثر ما تذكر بـ«الغلاسنوست» التي أطلقها ميخائيل غورباتشوف في عام 1985 والتشابه هنا يتأتى من الظروف الموضوعية المتطابقة بين الحالتين، فمكاشفة غورباتشوف كانت بمنزلة وصفة سحرية لانفكاك وتحلل المجتمع والنظام الموجهة إليه وقد كان السبب الأساسي «الذي تتطابق فيه مع حال المملكة اليوم» الذي أدى إلى انهيارها مع مجتمعها هو أن التوازن الداخلي «وكذا الخارجي» لم يكن آنذاك في مصلحة النظام السوفييتي في مواجهة الشرائح التي كان قد وصل النخر إلى أعماقها عبر توقها إلى الهمبرغر أو الدولتشي فيتا وما بينهما سحر الموسيقا التي كان يقدمها مايكل جاكسون!!!
لا ندري إذا ما كان ابن سلمان يرى أن التوازن الداخلي «أو الخارجي» لنظام هو اليوم في حال يسمح بانتصار رؤياه وإنقاذ المملكة؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن