قضايا وآراء

معركة إقليمية في حلب

| باسمة حامد 

لا تحتاج الحملات الإعلامية المرافقة للمشهد الحلبي الدموي لكثير من الشرح والتحليل للاستنتاج بأن الحسم في حلب سيؤثر تأثيراً كبيراً في المسار الميداني والسياسي في سورية، وسيكون له تداعيات مباشرة على دول المنطقة.
ولذلك تكتفي إدارة أوباما حالياً بالتعبير عن «القلق» وبمطالبة روسيا بالضغط على «النظام لوقف هجومه على المعارضة»، إذ لا مصلحة لها في فتح هذه المعركة عشية مغادرتها البيت الأبيض حتى لا تخسر كل أوراقها في الملف السوري، وخصوصاً أن التقديرات الأميركية تشير إلى استحالة تغيير موازين القوى ضمن الظروف الراهنة.
بالمقابل، وكمحاولة لتفادي تحجيم أدواره المستقبلية، يسعى الثلاثي (التركي السعودي القطري) جاهداً لمنع محور دمشق من تسجيل انتصار جديد أصداؤه لا بد أن تُقرأ بدقة في ضوء اللقاءات المتتالية لرئيس النظام التركي مع (مشعل وحجاب والحريري).
والهدف من إحياء الأسلوب القديم في التحريف والتزييف والتزوير الإعلامي الجاري بهذا الزخم الكبير هو خلق مناخ دولي عدائي حيال دمشق وموسكو وطهران، ومن ثم عرقلة التقدم الميداني للجيش السوري ومنعه من استكمال خطته الكاملة، أي إنجاز عملية تطهير حلب كتمهيد لفتح الطريق لاحقاً أمام التحرك باتجاه إدلب ودير الزور والرقة بدعم من سلاح الجو الروسي.
وما يدعم هذا التوجه الحراك العسكري والسياسي الجاري على خط (أنقرة الرياض الدوحة) ومن أوضح معطياته:
1- محاولة وفد الرياض تعطيل الحل السياسي، مع استماتة التنظيمات الإرهابية بأوامر من مشغليها لانتزاع حلب من حضن الدولة السورية وتبرير قصفها العشوائي للمدنيين والقول إنه «أخطاء فردية غير مقصودة».
2- تباكي (داوود أوغلو) على مآسي حلب وتحميل مسؤولية الهجمات على المدنيين لدمشق وموسكو، ودعوة ائتلاف اسطنبول الفصائل الإرهابية للتوحد والقتال معاً في المدينة.
3- إعلان (الجامعة العربية) عن اجتماع طارئ الأربعاء المقبل لبحث «التصعيد الخطير في المدينة السورية» بطلب من (قطر) استناداً لحملة إعلامية مضللة لطالما استعملها الإعلام القطري منذ بداية الأحداث للتغطية على «طبخة السم» القطرية السعودية في سورية.
وفي ظل التنافس التركي السعودي القطري من جهة، والسوري الروسي الإيراني من جهة أخرى، باتت الساحة الحلبية تشكل حلبة صراع دولي وإقليمي معقد بكل معنى الكلمة، فكل الأطراف المتصارعة تستجمع قواها بهدف السيطرة على المدينة. واللافت في هذا السياق، أن الطرف الآخر يقرأ جيداً أبعاد ما يجري ويستعد للمواجهة بما يلزم، فانتصار حلب – بعد انتصار تدمر- يعني قطع الذراع الإرهابية السعودية القطرية، ويعني كذلك إغلاق الحدود السورية التركية بوجه المتطرفين، والقضاء تماماً على الوهم العثماني بخصوص إقامة منطقة عازلة شمالاً.
ولأن انتصار حلب يعني انتصار سورية وحلفائها، ولأن استعادتها نقطة تحول مهمة في مسار الحرب، أعلنت دمشق استمرار العملية العسكرية فيها والتي بدأت عملياً منذ عامين مع فك الحصار عن السجن المركزي، مع رفضها لدعوات (المعارضة) لإرسال بعثة مراقبة دولية إلى المدينة.
وفي خطوات واضحة تترجم استمرار الشراكة السورية الروسية في مكافحة الإرهاب، ردت روسيا على طلب وزير الخارجية الأميركي «بعودة سريان وقف الأعمال القتالية في كامل الأراضي السورية» بإبلاغ دمشق عودة «الإسناد الجوي الروسي إلى ما قبل الهدنة في شباط الماضي»، وبرفضها ممارسة أي ضغوط على الحكومة السورية باعتبار أن الوضع في حلب يدخل ضمن إطار: «مكافحة التهديدات الإرهابية» وفق نائب وزير الخارجية الروسي (غينادي غاتيلوف)، داعيةً (المعارضة السورية) للنأي بنفسها عن (داعش والنصرة).

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن