سورية

تعويم «القاعدة» وفروعها: وهم غربي وإقليمي للمرة الثانية

يبدو أن «وهم» وجود مصالح بين الولايات المتحدة وفروع «القاعدة» تتمثل في قتال تنظيم داعش هي ما يغذي اتجاهاً صاعداً في السياسات الغربية والإقليمية يهدف إلى تعويم تنظيم «القاعدة» للمرة الثانية خلال أقل من أربع سنوات.
فمن مقابلة زعيم «النصرة»، ذراع القاعدة في سورية أبو محمد الجولاني على قناة «الجزيرة» الأسبوع الماضي، إلى «المقابلة المطولة» التي أجرتها شبكة «سي. إن. إن» الأميركية للأخبار، مع المرجع الروحي للعديد من الجماعات الجهادية المسلحة أبي محمد المقدسي، بدا وكأن جهداً منظماً تبذله واشنطن وحلفاؤه لتعويم قيادات وشخصيات تدور في الفلك القاعدي. وقبل هذه المقابلات كانت المخابرات الأميركية تفرج عن وثائق الزعيم التاريخي لـ«القاعدة» أسامة بن لادن، والتي كانت صادرتها بعد قتله في مدينة أبوت آباد الباكستانية عام 2011.
وفي مقابلة «سي إن إن»، دعا المقدسي العالم إلى ضرورة التفريق بين فكر القاعدة وداعش، ورداً على سؤال حول نظرته إلى أفكار القاعدة التي يعتنقها، وأفكار داعش التي يختلف معها، أجاب قائلاً: «الفرق واضح جداً، وينبغي على العالم كلّه أن يفرّق بين هذا وهذا»، ووصل الأمر به إلى حد لوم التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن على القصف المحدود جداً لجبهة النصرة في سورية، وقال: «إذا تكل!منا عن واقع سورية، رغم أنكم لا تفرقون، أعني بذلك الغرب لا يفرّق، والتحالف لا يفرق سواء بين تنظيم الدولة (داعش) أم النصرة أم غيرهم من الثوار». وبلهجة يشوبها الأسى قال المقدسي، المقرب من قادة القاعدة وبالأخص أسامة بن لادن وأيمن الظواهري: إن «الغرب ما زال يظلم الإسلام ويظلم المجاهدين، هذه الصورة نراها الآن في سورية فأنتم لا تفرقون بين تنظيم الدولة (داعش) وممارساته الرهيبة والأخطاء الفادحة التي أنكرناها أنا والمشايخ.. وتحاولوا أن تجبروا الجميع ليكونوا ضمن قائمة واحدة».
ورأى المنظر الذي يعتبر مرشداً شخصياً لشرعيي جبهة «النصرة» الأردني سامي العريدي، أن النصرة وغيرها من فصائل «الثوار» «ثاروا على بشّار من سنوات الظلم التي عاشوها تحت حكمه وحكم أبيه، وكل العالم وجد أنهم لهم الحق في هذه الثورة وجاء إخوانهم من بقاع الأرض يناصرونهم»، ويميزهم بشدة عن «الغلاة (في إشارة لداعش) الذين ربما اختلقوا من البعثيين وغرروا بكثير من الشباب»، وأعرب عن اعتقاده في أن أولئك «الغلاة» تسببوا بأذى شديد جداً للثورة السورية وللجهاد وهم أفسدوا في الساحة السورية والعراقية الكثير، وخلص إلى أنهم محل «شكاوى كثير من المجاهدين». ووصف داعش، على لسان قناته على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، «دابق»، المقدسي بـ«الحذاء» ساخراً من محاولات تعويمه.
وقالت القناة في تغريدة لها: «انظروا كيف تقوم واشنطن بتلميع هذا الحذاء من أجل إعادة استخدامه». وكان الجولاني قال لقناة الجزيرة: إن الظواهري أمره بألا يستهدف الغرب من الشام، في رسالة طمأنة للولايات المتحدة.  وعقب مقابلة الجولاني، تحدثت صحيفة «ليبراسيون» الفرنسية عما وجدته اعتدالاً في النصرة بالمقارنة مع «داعش»، داعيةً إلى ملاقاته في منتصف الطريق، وذلك في حين رأت باحثة في أحد مراكز البحوث الأميركية المرموقة، تغييراً ملموساً نحو ما سمته «براغماتية النصرة» التي ينبغي أن يشجعها الغرب أيما تشجيع.
وفي أوائل ما سمي بـ«الربيع العربي» دعمت واشنطن الإسلاميين للوصول إلى السلطة في تونس ومصر، وضغطت ومعها تركيا وقطر لإحداث تغيير في سورية بغرض استيعابهم.
وفي ليبيا عملت طائرات حلف شمال الأطلسي «ناتو» كسلاح جو لفرع «القاعدة» المحلي تحت قيادة عبد الحكيم بلحاج، في حربه ضد نظام الزعيم الراحل معمر القذافي. إلا أن مقتل السفير الأميركي في ليبيا كريستوفر ستيفنز عام 2012، في هجوم على مقر القنصلية الأميركية في مدينة بنغازي، أظهر للولايات المتحدة مخاطر سياستها تلك. وبعد هذا الهجوم بثلاثة أشهر صنفت الإدارة الأميركية جبهة النصرة على لائحتها للتنظيمات الإرهابية، سابقة بذلك مجلس الأمن الدولي بنصف عام.
وهكذا طويت المحاولة الأولى لتعويم القاعدة. لكن صعود داعش أحيا الفكرة من جديد، خصوصاً في أنقرة والدوحة وباريس. وفي هذه الأيام تعيش المنطقة ليس فقط محاولة لتعويم «النصرة»، بل والقاعدة أيضاً.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن