الأولى

لحرب محدودة

| تيري ميسان

أكثر من خمس سنوات، وسورية في حالة حرب.
كل الذين دعموا هذا الصراع في البداية، كانوا يوضحون أنه امتداد «للربيع العربي»، لكن أحداً لم يَعُد يعتدُ بهذا الخطاب في الوقت الحالي، بعد أن تم قلب أنظمة الحكم الناتجة عن هذا «الربيع».
بعيداً عن مجرد كونها تطلعا نحو الديمقراطية، لم تكن هذه الأحداث سوى تكتيك لتغيير الأنظمة العلمانية، لمصلحة جماعة الأخوان المسلمين.
يدعي البعض أن «الربيع» السوري الذي اختطفته قوى أخرى غير «الثورة» -التي لم توجد أصلا- كان سيلتهمه الجهاديون، الموجودون فعلاً.
هذا ما أشار إليه الرئيس فلاديمير بوتين، حين ألمح منذ البداية إلى عدم تناسق سلوك الغرب ودول الخليج، موضحاً استحالة محاربة الجهاديين والجمهورية العربية السورية في آن واحد، وفي ساحة المعركة نفسها.
ولأن أياً منهم لم يختر معسكره، لا تزال الحرب مستمرة.
حقيقة الأمر، أنه لا توجد أسباب داخلية لهذه الحرب. إنها ثمرة، ليس لمناخ إقليمي، بل عالمي.
أعلنت الحرب على سورية منذ عام 2003، حين صوت الكونغرس الأميركي على «قانون محاسبة سورية».
كان هدف ديك تشيني، غير المعلن، الاستيلاء على مخزون ضخم من الغاز والنفط في البلاد.
نحن نعلم حالياً أن «الذروة النفطية» للخام لن تسجل نهاية عصر النفط، وأن واشنطن سوف تتجه لاستغلال أنماط أخرى من الهدروكربونات في خليج المكسيك. أي بمعنى أن الهدف الإستراتيجي للولايات المتحدة قد تغير. وصار في مقدمة أولوياتها، احتواء التطور الاقتصادي والسياسي للصين وروسيا، وإجبارهما على التجارة حصرا عبر طرق بحرية، تتحكم بها حاملات طائراتها.
بمجرد توليه منصبه عام 2012، أعلن الرئيس الصيني شي جينبينغ نية بلاده التغلب على هذا العائق، ببناء اثنين من طرق التجارة القارية إلى الاتحاد الأوروبي.
الأولى، فوق الطريق القديم لطريق الحرير، والثانية عبر روسيا، وصولاً إلى ألمانيا.
انبثق على الفور نزاعان:
أولا، لم يكن الهدف من الحرب على سورية، تغيير النظام القائم، بل خلق حالة من الفوضى في البلاد، امتدت من دون أي سبب لأوكرانيا. ثم تقاربت روسيا البيضاء مع كل من تركيا والولايات المتحدة، ممدة تلك الفوضى إلى الشمال، لتقسم أوروبا إلى شطرين.
هكذا تماما تمكن نزاعان لانهاية لهما، من قطع الطريقين المزمع إنشاؤهما.
لكن ثمة خبراً ساراً: ما من أحد بوسعه أن يفاوض على الفوز في أوكرانيا، ضد الهزيمة في سورية، لأن كلتا الحربين، لهما الهدف نفسه.
أما الخبر السيئ، فهو أن الفوضى ستستمر على الجبهتين، إذا لم تتوصل روسيا والصين إلى إنشاء محور مواصلات آخر.
في المحصلة، ليس هناك شيء يرتجى من مفاوضات مع أشخاص يتلقون أجوراً، لإطالة أمد الصراع.
حبذا لو أظهرنا قليلا من الواقعية، بتقبلنا فكرة أن هاتين الحربين، ليستا أكثر من وسيلة لواشنطن، لكي تغلق طريق الحرير.
في هذه الحالة فقط، سوف يكون بوسعنا الفصل بين مختلف المصالح المٌتنازعة، والمضي قدماً في تحرير المدن، وبسط الأمن والاستقرار في المناطق المأهولة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن