ثقافة وفن

العطاء عنوان مروءة

د. اسكندر لوقا:

 

في اعتقادنا جميعاً أن كل الديانات السماوية تحضّ على فعل الخير وفي مقدمه فعل العطاء. فالعطاء عندما يكون نابعاً من النفس، يجسد النبل ولا يتطلب ثمناً كأي فعل مادي آخر. فهو، بهذا المعنى، من شيم الكرماء الذين لا يسعون لتحقيق مكسب أو حتى لإرضاء الغير، بل إن فعل الخير لديهم يندرج تحت عنوان المعادلة التي توصي بأن يكون الإنسان أخاً لأخيه من دون تفرقة حسب الانتماء إلى المكان أو الجنس أو اللون أو العقيدة وسوى ذلك.
وفي الحياة الكثير الكثير من الأمثلة التي توضح الصورة الشمولية للعطاء والتي عناها السيد المسيح بقوله، على سبيل المثال، «أعطِ تعطَ». ولم يحدد من الذي يستحق أن يُعطى ما دام إنساناً بحاجة إلى عطاء. ومن الطبيعي أن يكون القصد من قول كهذا ألا يتصور أحدنا أنه، ما دام في نعيم فإن الآخرين لا بد أن يكونوا هم أيضاً في نعيم مثله.
إن الفوارق الاجتماعية في الحياة بين أبناء البشر جزء من هوية الجنس البشري، ومن هنا جاء عدم تحديد أبعاد العطاء حيث يجب أو لا يجب أن يكون. المهم أن يكون الإنسان مستعداً للقيام بدور المعطي لا الآخذ فحسب عند الحاجة للقيام بهذا الدور. كما لا ينبغي أن يكون العطاء مشروطاً بالكم أو الحجم أو الزمن أو عدد المرات.
وفي القصص العالمية ثمة فتاة فقيرة كانت لا تملك سوى قطعة النقد البسيطة التي في جيبها فتبرعت بها لإغاثة محتاج، فتساوت بذلك مع من تبرع بنتف من نقود كانت في جيوبهم.
إن العطاء، في نهاية المطاف، هو موقف ولا يحتاج إلى ترجمة، شأنه في ذلك شأن ابتسامة دافئة ترتسم على وجه طبيب أو ممرضة في وجه مريض وهما يعلمان أنه على وشك مغادرة دنياه، هذه الابتسامة لن تعني شيئاً سوى أنها معلم من معالم العطاء، وفي الوقت المناسب، الذي لا يتطلب ثمناً.
في هذا السياق نقرأ للشاعر والأديب والقائد العباسي في زمن المأمون والمعتصم أبو دلف العجلي (؟- 840): ليس المروءة أن تبين منعماً.
وفي الزمن الراهن نحن بأمس الحاجة كي نتعلم من أمثال هذا الحكيم، لأن العطاء يبقى من عناوين المروءة التي نحقق معها نبل أنفسنا ورقي عقولنا.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن